الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في عالم يشهد تسارعًا في تطوير الذكاء الاصطناعي، تبرز تساؤلات ملحّة حول أخلاقيات هذه التقنية ودورها في الصراعات الدولية. مصطفى سليمان – من أب سوري وأم بريطانية– يعد أحد الرواد في هذا المجال ومدير “مايكروسوفت للذكاء الاصطناعي“، وجد نفسه في موقف محرج خلال احتفال الشركة بالذكرى الخمسين لتأسيسها، عندما قاطعته زميلته المهندسة المغربية ابتهال أبو سعد متهمة إياه ومايكروسوفت بـ“التورط في سفك الدماء” من خلال دعم الجيش الإسرائيلي.
في الأسبوع الماضي واجهت ابتهال أبو سعد –المهندسة المغربية وخريجة جامعة هارفارد والموظفة في مايكروسوفت– الحضور أثناء كلمة سليمان، ناقدةً ما وصفته بـ“ازدواجية المعايير“. واتهمت الشركة بتزويد إسرائيل بمنصات مثل “أزور” لدعم عملياتها العسكرية في غزة، قائلة: “أنت تتحدث عن خدمة الإنسانية بينما تُباع تقنيتنا لتمويل الحروب“. لم يرد سليمان إلا بجملة مقتضبة، بينما غادرت ابتهال المسرح ملقيةً كوفيتها الفلسطينية كدليل على اعتراضها.
مصطفى سليمان، المؤسس المشارك لـ“ديب مايند” والوجه المعروف في قطاع الذكاء الاصطناعي، يدعو دوماً إلى أخلاقيات التقنية، لكن ابتهال كشفت التناقض الذي يراه الكثيرون: كيف يمكن للتكنولوجيا أن تكون “محايدة” بينما تُستخدم في صراعات دامية؟ وهذا النقاش يتجاوز سليمان ليشمل صناعة كاملة تعتمدها الحكومات.
ابتهال، التي تمزج بين خبرتها التقنية وتراثها العربي، لم تكن مجرد موظفة عادية، بل رمزًا لتمرد العاملين في الشركات الكبرى ضد سياسات تُعتبر تضامنًا مع انتهاكات حقوق الإنسان. حركتها أثارت تساؤلات حول مسؤولية المبرمجين والمهندسين في مراقبة كيفية استخدام منتجاتهم.
الأزمة تطرح إشكالية قديمة لكنها دائمًا متجددة: هل يمكن فصل التقدم التكنولوجي عن السياق السياسي؟ شركات مثل مايكروسوفت ترفع شعارات “الشمولية” و“التنمية“، لكن تعاقداتها مع الجيش الإسرائيلي –كما تؤكد ابتهال– تجعل هذه الشعارات مثار شك.
مصطفى سليمان يُعتبر شخصية مؤثرة في نقاشات حول أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، حيث يدعو إلى محاسبة الشركات والحكومات والمجتمع المدني على تأثيرات التقنيات الحديثة. قام بتأسيس وحدة “أخلاقيات ومجتمع ديب مايند” لدراسة تأثيرات الذكاء الاصطناعي وتطبيق المبادئ الأخلاقية.
هو أيضًا أحد الرؤساء المشاركين في “شراكة الذكاء الاصطناعي“، التي تضم شركات كبرى مثل جوجل وآبل وتهدف إلى وضع معايير أخلاقية وتعزيز فهم الجمهور لهذه التقنيات.
في عام 2023، نشر كتابًا بعنوان “الموجة الجديدة” الذي يحذر من مخاطر الذكاء الاصطناعي والبيولوجيا التركيبية، مؤكدًا على إمكانية تحقيق تقدم كبير لكن مع ضرورة وجود رقابة عالمية لتجنب الاستخدام الضار.
وفي عام 2024، أثار جدلاً بتصريحه بأن المحتوى المفتوح على الإنترنت يُعتبر “استخدامًا عادلًا” ما لم يُنص على خلاف ذلك، مما أثار نقاشًا حول استخدام بيانات الإنترنت في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي.
الصدام بين سليمان وابتهال ليس شخصيًا، بل يُمثل انعكاسًا لصراع أكبر بين الابتكار والقيم الإنسانية. في عصرٍ تُعتبر فيه البيانات سلاحًا، يصبح السؤال الأخلاقي أكثر إلحاحًا: هل الذكاء الاصطناعي أداة لتحرر الإنسان، أم وسيلة لقمعه؟ الجواب، كما تُظهر هذه الواقعة، لن تقدمه الشركات بل ضمائر العاملين فيها.
ورغم مغادرة ابتهال أبو سعد للمشهد، يبقى سؤالها حاضرًا: “أي إنسانية تلك التي نبتكر من أجلها؟“
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال