الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
استضافة كأس العالم ليست مجرد حدث رياضي، بل هي فرصة اقتصادية ضخمة تساهم في تعزيز النمو والتنمية في الدول المضيفة. فإلى جانب العوائد المباشرة من السياحة، وحقوق البث، والتذاكر، تنعكس فوائد البطولة على قطاعات البنية التحتية، والاستثمارات الأجنبية، والوظائف، وحتى العلامة التجارية للدولة المستضيفة. على سبيل المثال، حققت روسيا خلال مونديال 2018 عوائد اقتصادية قُدّرت بـ 14 مليار دولار، ما يعادل 1% من ناتجها المحلي، بينما ساعد مونديال 2002 في كوريا واليابان على تعزيز مكانتهما في السوق العالمية. كذلك، استفادت قطر 2022 من الحدث في تطوير بنية تحتية متطورة وتوسيع قطاع السياحة.
في 11 ديسمبر/كانون الأول من عام 2024 أعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم “الفيفا” فوز المملكة العربية السعودية باستضافة كأس العالم عام 2034، لتصبح السعودية أول دولة تستضيف بمفردها النسخة الأكبر من هذه البطولة التي ستشهد مشاركة 48 منتخباً وطنياً تحت شعار “معاً ننمو”.
ستقام المباريات في 15 ملعباً موزعة على خمس مدن مختلفة في أنحاء المملكة، وهي الرياض “عاصمة المملكة” وجدة “عروس البحر الأحمر” والخُبر وأبها بالإضافة إلى نيوم. وسيكون الافتتاح في ملعب الأمير محمد بن سلمان في إحدى قمم جبل طويق في القدية القريبة من الرياض، التي يمكن اعتبارها المدينة السادسة. وعلى الرغم من أن ملف المملكة العربية السعودية لم يكن له منافس، فقد حصل على تقييم 419.8 من 500 نقطة، وهو أعلى تقييم في تاريخ تنظيم بطولات كأس العالم.
استعداد السعودية لاستضافة كأس العالم 2034 يمثل خطوة استراتيجية لتعزيز مكانتها الاقتصادية والسياحية عالمياً. فبفضل رؤية 2030، تستثمر المملكة بقوة في تطوير البنية التحتية، من المطارات والفنادق إلى المدن الرياضية، ما يخلق آلاف الوظائف ويحفّز الاقتصاد المحلي. كما أن الحدث سيعزز قطاع السياحة والضيافة، حيث تتوقع السعودية استقبال ملايين الزوار، ما يعزز الإنفاق الداخلي ويجذب الاستثمارات الأجنبية. إضافةً إلى ذلك، ستستفيد المملكة من توسيع علامتها التجارية دولياً، تماماً كما فعلت قطر في 2022، حيث سيُسلَّط الضوء على ثقافتها وتطورها الاقتصادي. ومع الاعتماد على المنشآت المستدامة، تسعى السعودية لضمان إرث اقتصادي طويل الأمد بعد البطولة، مما قد يجعلها نموذجاً جديداً في استضافة الفعاليات الكبرى.
فرص وفوائد اقتصادية متوقعة
تتمثل أوجه الاستفادة من استضافة كأس العالم في الأعمال التحضيرية التي تتشمل بناء المنشآت والفنادق وأماكن التدريب وغيرها من المشاريع المرتبطة، وانتعاش قطاعات السياحة والنقل مع التوقعات باستقطاب 4 ملايين زائر، لكن الفائدة الأهم تأتي بعد استضافة الحدث والنجاح في خلق تجربة فريدة للزوار تدفعهم إلى الرغبة في العودة مجدداً لاكتشاف المزيد من الأماكن والمعالم التي تميز المملكة.
ولنستعرض هذه الفوائد بشكل أوسع أطلقت السعودية خلال الفترة الأخيرة عدداً من المشروعات العملاقة في إطار رؤية 2030، ما خلق انتعاشة كبيرة في سوق البناء والمقاولات، وبحسب تقرير نايت فرانك من المتوقع أن تصل قيمة المشاريع في هذه القطاعات إلى 181.5 مليار دولار بنهاية عام 2028، ومع استضافة فعاليات كأس العالم ستكمل المملكة مسار ما بعد الرؤية، ففي الوقت الذي تستهدف فيه تسليم أكثر من 660 ألف وحدة سكنية، وأكثر من 320 ألف غرفة فندقية، بحلول نهاية العقد، سيتم تخصيص 230 ألف غرفة فندقية تتناسب مع معايير الفيفا في المدن الخمس التي ستستضيف المباريات، وهو ما يعني إضافة نحو 175 ألف غرفة فندقية بحلول 2034.
يشكل كأس العالم فرصة اقتصادية مهمة للمملكة، إذ من المرجح أن يسهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1 إلى 2%، وتحقيق عوائد تصل إلى 100 مليار ريال، مع وصول معدل إنفاق الزوار إلى أكثر من 80 مليار ريال، مع خلق نحو 3 ملايين فرصة عمل جديدة.
وتعزز المملكة مكاسبها من خلال تسهيل آلية حصول الزوار على تأشيرات الدخول، وإطلاق شركة طيران الرياض وفتح مسارات جديدة تربط المملكة بمعظم دول العالم، وعليه يقدر المجلس العالمي للسفر والسياحة، مساهمة قطاع السياحة في الناتج المحلي الإجمالي بنحو 836.1 مليار ريال بحلول 2034،
كيف ننظر إلى تجربة قطر؟
يمثل الاطلاع على التجارب السابقة الناجحة فرصة للتعلم والتطوير وتعظيم أوجه الاستفادة، وفي حالة السعودية واستضافتها لكأس العالم، يمكن النظر في تجربة قطر في استضافة نهائيات كأس العالم 2022، إذأنفقت نحو 300 مليار دولار لتطوير المرافق الأساسية قبل البطولة، وحققت عوائد قدرت بنحو 17 مليار دولار، وحضر الفعالية نحو مليون شخص، فيما تراوح الإنفاق السياحي وعوائد البث بين 2.3 مليار دولار و4.1 مليار دولار، بحسب صندوق النقد الدولي.
لكن هل يمكن المقارنة بين قطر والسعودية في استضافة مثل هذا الحدث العالمي الضخم؟، في الواقع يجب الأخذ في الاعتبار عدة أمور عند إجراء المقارنة، أهمها حجم الاقتصاد وعدد السكان، إذ تضم قطر نحو 3 ملايين نسمة، ويقارب قيمة اقتصادها 400 مليار دولار، فيما يصل عدد سكان السعودية إلى 32 مليون نسمة ويقدر اقتصادها بما يتجاوز تريليون دولار.
ومن جهة أخرى، استضافت فيه قطر 32 منتخباً، فيما تستعد السعودية لاستقبال 48 منتخباً، وعلى الرغم من ذلك، تعمل الممكلة على قدم وساق لمواجهة التحديات التي ترتبط بمشاريع البطولة لأنها تدرك أن كأس العالم لا يقتصر دوره على الجانب الرياضي فقط، بل تمتد تأثيراته إلى مجالات متعددة؛ فاستقطاب ملايين الزوار من مختلف أنحاء العالم سيكون له أثر كبير على نواحٍ متعددة في الدولة المستضيفة، منها البنية التحتية والسياحة والاقتصاد والتسويق.
جاهزية عالية لاستضافة فعاليات كبرى
استثمرت السعودية بشكل كبير في البنية التحتية الرياضية والسياحية، مما جعلها مؤهلة لاستضافة كأس العالم 2034. فقد طورت الملاعب الحديثة، المطارات، ووسائل النقل، مع التركيز على الاستدامة. كما اكتسبت خبرة واسعة عبر تنظيم بطولات رياضية كبرى مثل السوبر الإيطالي والإسباني، فورمولا 1، ورالي داكار.
فوائد أخرى متوقعة
تسعى السعودية إلى استغلال البطولة كوسيلة لتعزيز مكانتها العالمية، وليس فقط كحدث رياضي. عبر تقديم تجربة متميزة للزوار، ترويج الثقافة السعودية، وتحفيز الاستثمار الأجنبي، يمكن أن تكون كأس العالم 2034 نقطة تحول اقتصادية كبيرة للمملكة.
تجسد هذه النجاحات الرياضية بوضوح تحقيق مستهدفات برامج القطاع الرياضي في رؤية السعودية 2030، التي لا تستهدف فقط تطوير الرياضة من حيث المنافسة على البطولات القارّية والعالمية أو استضافة الفعاليات الرياضية الكبرى في مختلف الألعاب، بل تسعى إلى تسويق المملكة عالمياً والتعريف بجودة الحياة فيها، والإسهام في تحقيق أهداف تتعلق بالجذب السياحي والاقتصادي لمجتمع نابض بالحياة وبيئة مستدامة.
اليوم، ولله الحمد، هناك حراك اقتصادي وسياحي واستثماري يزداد قوة يوماً بعد يوم؛ فالفنادق تُبنى والمشاريع تتسارع والمستثمرون يتطلعون إلى المملكة بصفتها وجهة مستقبلية. وكأس العالم في هذا السياق يؤكد للعالم أن السعودية ليست مجرد مستضيفة، بل صانعة للمستقبل”.
يعكس فوز المملكة باستضافة الحدث الدولي حرص قيادتها على جذب الفعاليات العالمية واستثمارها كفرصة تسويقية لتعزيز الحضور الدولي وتصحيح الصور النمطية. ويمكن استغلال هذه المناسبة للترويج للثقافة السعودية، مثل القهوة السعودية التي تجسد قيم الكرم والضيافة، إلى جانب إبراز تنوع الطبيعة الخلابة من جبال وسهول وبحار، وتسليط الضوء على التاريخ العريق والمواقع الأثرية. كما تمثل الاستضافة فرصة لبناء صورة ذهنية إيجابية عن المملكة عالميًا، في ظل استعدادها لتنظيم بطولة تاريخية بمعايير تنظيمية وتقنية متقدمة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال