الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في زمن التحولات الكبرى التي تشهدها المملكة، نستحضر كلمات سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان التي أرست منهجًا واضحًا لصناعة الفرق:
“دائمًا ما تبدأ قصص النجاح برؤية، وأنجح الرؤى هي تلك التي تُبنى على مكامن القوة.”
“لدينا عقليات شابة مبهرة ورائعة جدًا، خاصة في جيل الشباب، طاقة قوية شجاعة، ثقافة عالية، احترافية جيدة وقوية جدًا، ويبقى فقط العمل.”
“طموحنا سوف يبتلع هذه المشاكل، سواء بطالة أو إسكانًا أو غيرها من المشاكل.”
هذه الكلمات لا تُلهم فقط، بل تُحمّل كل مسؤول قرار — في القطاعين العام والخاص — مسؤولية أن يكون فعله بحجم هذا الطموح، وأثره بوزن هذه الرؤية. فليست المناصب هي المقياس الحقيقي للقيادة، بل أثرها على الناس، وعلى الوطن.
ليست كل المناصب القيادية مصدرًا للتقدم، وليست كل الأضواء التي تحيط بشخص ما دليلاً على تأثيره الحقيقي. فقد يلفت البعض الأنظار بكاريزما عالية أو حضور إعلامي لافت، بينما يفتقر في عمق أدائه إلى الأثر الوطني الذي يُقاس به القائد الحقيقي. القائد الذي يُنتج، لا يستهلك. الذي يُمكن، لا يُقصي. الذي يفتح الأبواب للمبدعين، لا يُغلقها لحماية دوائر العلاقات والمجاملات.
في المقابل، نرى من يحتفظ بموقعه القيادي سنوات طويلة دون أن يكون لوجوده أثر في تقليل البطالة أو تعزيز بيئة العمل، بل على العكس، تتحول منظمته إلى دائرة مغلقة محكومة بالعلاقات، لا بالكفاءة. يُمنح المنصب لا لصناعة التحوّل، بل لصيانة الوضع القائم.
المدير التنفيذي الناجح لا يُقاس بعدد الموظفين تحت إدارته، بل بعدد الفرص التي خلقها، والأبواب التي فُتحت للمجتمع بسببه. هو قائد يمارس دوره كرؤية حية، لا كروتين يومي. يضع الموهبة في مكانها، ويستخرج من كل مورد طاقته الكامنة. مثل هذا النموذج لا ينتظر الضوء الأخضر لصناعة الأثر، بل يصنع الضوء نفسه. يسهم في تقليص البطالة بطرق ذكية ومستدامة، ويوجه الموارد نحو الابتكار لا التكرار، ويحول المؤسسة من كيان مغلق إلى منصّة مفتوحة لتوليد القيمة.
ليس كافيًا أن تُوجد الوظائف على الورق، إذا كانت البيئة المحيطة بها تطرد الكفاءات وتخنق روح الابتكار. فكثير من المواهب الشابة تعمل اليوم في وظائف تُشبه “اللاشيء”، من حيث القيمة والتأثير، لأنها تعيش داخل مؤسسات اختُزلت في هياكل روتينية تحكمها العلاقات لا الكفاءة، والولاء لا الإنتاج. هذه البيئات المغلقة تُحيّد الفاعلين الحقيقيين، وتمنح الفرص لأشخاص أقرب إلى الحضور الرمزي منهم إلى الأداء العملي. وهكذا تُصبح الوظيفة مجرد “مكان للراتب”، لا “منصة للأثر”.
ويزداد المشهد تعقيدًا عندما تُخصّص الشركات والمؤسسات مكافآت نهاية عام ضخمة لقياداتها، دون أن يكون لذلك مقابل ملموس في أداء المنظمة أو في خلق الأثر الوطني المنشود. تُكافأ النتائج الشكلية، بينما يغيب المعيار الحقيقي: كم عدد الناس الذين تغيرت حياتهم من أثر هذه الإدارة؟ الخلل ليس في قيمة المكافأة، بل في غياب أثرها على المجتمع.
في وطن طموحه يعانق السحاب، لا مكان لقيادة شكلية، ولا مجد لمن لا يترك أثرًا. كل من يملك قرارًا، أو يقود منظمة، أو يتصدر مشهدًا إداريًا — هو شريك ضمني في تشكيل مستقبل هذا الوطن. فإما أن يكون مصدر إلهام وتحول، أو يكون عائقًا يُستبدل.
القائد الحقيقي لا يحتاج إلى ضجيج إعلامي ليُثبت وجوده، بل يُثبت نفسه بأثره في حياة الناس. إن من يخلق فرصة عمل واحدة لمواطن، قد غيّر مسار أسرة، فكيف بمن يصنع الآلاف؟ بل الملايين؟ هؤلاء هم من يجب أن يُدفعوا إلى الصف الأول — لا بالمجاملة، بل باستحقاق وطني.
وغالبًا ما تُقرأ مثل هذه المقالات بعين ناقدة، لكنها موجَّهة للغير. يؤمن بها القارئ المسؤول، بل يهزّ رأسه اتفاقًا مع كل كلمة، ثم يُلقي بمضمونها على “فلان” و”تلك الجهة” و”ذلك القطاع” — وكأن كل هذا لا يعنيه. بينما الحقيقة أن الأثر الوطني لا ينتظر التبرؤ، بل يتطلب المواجهة. كل من يحمل قرارًا، ولو في زاوية صغيرة من مؤسسة، هو معنيّ بهذا الطرح، وربما يكون هو المفتاح الذي يُغير المسار لمن حوله.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال