الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في قلب جدة التاريخية النابض بالحياة، يقف حي الرويس شامخًا كشاهد على أصالة الماضي وعمق التراث الحجازي. هذا الحي العريق، الذي يتربع في المرتبة الثانية كأقدم أحياء المدينة بعد جدة التاريخية، يمثل كنزًا دفينًا ينتظر من يستثمره ويحوله إلى محرك اقتصادي مستدام. بدلًا من التفكير في طي صفحته وهدم شواهده المعمارية التي تحمل عبق قرنين من الزمان، يقترح تحويل الرويس إلى حي تراثي ملون، ينبض بالحياة ويجذب السياح وعشاق التاريخ، محققًا بذلك عوائد اقتصادية مجدية للمدينة وسكانها تقدر بمليارات الريالات سنويًا.
تستند هذه الرؤية إلى دراسات وأمثلة عالمية ناجحة، حيث تحولت أحياء تاريخية مماثلة في مدن عديدة إلى وجهات سياحية بارزة تساهم بشكل كبير في الناتج المحلي الإجمالي. ففي مدينة شفشاون المغربية، المعروفة ببيوتها الزرقاء الساحرة، ارتفعت إيرادات السياحة بنسبة تقدر بـ 30% بعد تبني مبادرات مماثلة للحفاظ على الهوية البصرية والتراثية للمدينة، لتصل إلى ما يقارب 50 مليون دولار سنويًا. وبالمثل، شهد حي “لا بوكا” الملون في بوينس آيرس الأرجنتينية نموًا اقتصاديًا ملحوظًا بفضل تدفق السياح والزوار الذين يقدر عددهم بأكثر من مليوني زائر سنويًا، مما يولد إيرادات تتجاوز 100 مليون دولار.
إن تحويل حي الرويس إلى حي تراثي ملون يتطلب استثمارًا مدروسًا يركز على ترميم وتأهيل المنازل القديمة، مع الحفاظ على طابعها المعماري الأصيل وإضفاء لمسة جمالية عبر تلوين واجهاتها بألوان مستوحاة من التراث الحجازي. وتشير تقديرات أولية إلى أن تكلفة ترميم وتلوين واجهات حوالي 200 منزل تاريخي في الحي قد تتراوح ما بين 50 إلى 100 مليون ريال ، وهو استثمار يمكن استرداده خلال فترة وجيزة عبر العوائد المتوقعة من السياحة والأنشطة التجارية المصاحبة.
لتعزيز تجربة الزوار وتسهيل تنقلهم داخل الحي، يمكن إدخال مركبات خاصة صديقة للبيئة أو قاطرات صغيرة ذات تصميم تراثي، تتسع الواحدة منها لـ 20 سائحًا، برسوم رمزية تقدر بـ 50 ريالًا للجولة. وبافتراض استقبال الحي لمليون سائح سنويًا في السنوات الخمس الأولى للتطوير، واستخدام 30% منهم لهذه المركبات، فإن الإيرادات السنوية المتوقعة من هذه الخدمة وحدها قد تصل إلى 15 مليون ريال.
كما أن تحويل بعض هذه المنازل إلى موتيلات وفنادق بوتيكية فاخرة، تستهدف شريحة السياح الباحثين عن تجربة إقامة فريدة ومغمورة في التاريخ، يمثل رافدًا اقتصاديًا هامًا. وبافتراض أن متوسط إشغال 50 وحدة سكنية سيبلغ 65% بمتوسط سعر لليلة الواحدة يبلغ 600 ريال، فإن العائد السنوي المتوقع من الإقامة قد يصل إلى 7.1 مليون ريال. ويمكن تسليم إدارة وتشغيل هذه الوحدات لشركات تشغيلية محلية متخصصة، مما يعزز من نمو قطاع الضيافة المحلي.
إن إنشاء محلات تجارية تراثية تعرض التحف والمشغولات اليدوية والأكلات الشعبية سيمثل عامل جذب إضافي للسياح، وسيوفر فرصًا اقتصادية واعدة للأسر المنتجة والحرفيين المحليين. وبافتراض أن متوسط إنفاق السائح الواحد على هذه المنتجات والخدمات يبلغ 200 ريال، فإن استقبال مليون سائح سنويًا سيولد إيرادات تقدر بـ 200 مليون ريال لهذه المحلات. ويمكن تخصيص مناطق لدعم وبيع منتجات الأسر المنتجة، مما يساهم في تمكينهم اقتصاديًا وزيادة مساهمتهم في الناتج المحلي.
ولا يقتصر الأثر الاقتصادي لهذا التحول على الإيرادات المباشرة، بل يمتد ليشمل خلق فرص عمل جديدة للشباب السعودي في قطاعات الضيافة والنقل السياحي والحرف اليدوية وإدارة المتاحف والمواقع التراثية. وتشير تقديرات إلى أن تطوير حي الرويس قد يوفر ما لا يقل عن 1000 فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، مما يساهم في تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030 في مجال التوظيف.
إن تحويل حي الرويس إلى حي تراثي ملون ليس مجرد مشروع تجميلي، بل هو استثمار استراتيجي يهدف إلى تنويع مصادر الدخل لمدينة جدة، وتعزيز جاذبيتها السياحية والثقافية لتنافس الوجهات العالمية المماثلة، والحفاظ على هويتها التاريخية العريقة. هذا التوجه يتماشى مع رؤية المملكة 2030 التي تركز على تطوير القطاع السياحي ورفع مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي إلى 10% بحلول عام 2030. إن إحياء الرويس بألوانه وعبقه التاريخي يمثل فرصة حقيقية لتحقيق هذه الأهداف الطموحة وتحويل هذا الحي العريق إلى أيقونة اقتصادية وثقافية تفتخر بها جدة والمملكة بأسرها، مع توقعات بتحقيق إيرادات سنوية تتجاوز 200 مليون ريال وتوفير آلاف فرص العمل، مما يستدعي دعمًا وتنسيقًا من مختلف الجهات المختصة، إيمانًا بأن الحفاظ على التراث ليس عبئًا، بل هو استثمار للمستقبل يحمل في طياته عوائد اقتصادية واجتماعية مستدامة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال