الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لطالما كانت الأوراق المالية التقليدية هي عربة القطـــار الوحيدة التي تنقل السيولة من الركــود الى عالم الأسواق والتداول، وهي سيدة النظريات والتمركــــز والبريق اللامع التي وعلى مدى قرن من الزمن لم ينطفئ على الأطلاق ولو لليلة واحدة، ولكن كيف هو الآن بعد كل هذه الأعوام الناعمــة! بدأت العوامل الاقتصادية في العالم الجديد تتغيـــر بشكل متسارع وعجيب، وتغير مع هذا النمو الاقتصادي، التوجهات الاستثمارية العامة، معدلات حساسية المخاطر، التركيز على الخروج من المألوف ومحاولة الهروب من التشريعات والتنظيمات القانونية التي تعيق اقتناء اعلى درجات المخاطر وبالتالي أعلى العوائد المستهدفــــة. كان من أوائل الخارجين عن القانون صناديق التحـــوط، التي جاء بقدومها الكثير من الضوضاء والتمرد من منتصف القرن الماضي حتى اليوم، لتكون بذلك هي القائد الأول للاستثمارات البديلة ومُلهمتها، ليظهـــر بعد ذلك الاستثمار العقاري بشكل العام المُدرج في الأسواق والخاص، صناديق الاستثمار التي تستثمر في الصناديق، الاستثمارات الخاصة للملكية والديون، استثمار المال الجريء، وبدأت حديثًـا العملات المشفرة في تصدر المشهد الاستثماري البديل كغُصين جديد من الشجرة العملاقة.
في دراسة جاءت بها شركة ( KKR ) وهي شركة استثمارات أمريكية عريقــــة ( وليدة 1976م ) تقول فيها أن معدل اختيار أصول الاستثمارات البديلة ( صناديق التحوط، العقار، البنية التحتية وغيرها ) في محافظ أصحاب الدخل المرتفع قفز من 7.7% في 2020م الى 9.6% في عام 2024م رغم كل الظروف الاقتصادية التي يحيط بها الشوائب طوال الفترة المذكورة. وذكرت في تقريرها الرائع بأن النمو المركب لأسواق الاستثمار البديل في الولايات المتحدة لعشر سنوات ( 2018-2028م ) هو 10.6%، والحصة الأكبر لهذا النمـــو جاء من خلال النمو في معدل استثمار المال الجريء الذي يُعتبـــر الحجر الكريم المُكتشف حديثًــــا في الأسواق العالميــــة. وتُظهر الدراسة أن هناك نمو هائل في اختيار مدراء صناديق التقاعد وزن أعلى لهذه الاستثمارات بالتزامن مع تقليل وزن الاستثمارات التقليدية ( الأسهم، السندات ) على مدى العشرين عامًـــــا الماضية. من المتوقع أن تُمثل في عام 2028م الاستثمارات البديلة وبحسب العديد من الدراسات متوسط 23% من أجمالي الأموال تحت الإدارة وبنسبة نمو سنوي مركب 7% ، رائع ما تقوم به هذا الأسواق في مطاردتها الشرسة وذات النفس الطويل لأسواق الأسهم التي بدأ ينخفض بريقها عام بعد عام بسبب بسيط بأن لا شيء يدوم في الاقتصاد سوى التغيير المستمر.
لكن لماذا كل هذا النمو السريع والميل لهذه الأنواع من الاستثمارات على الرغم من أن العالم الأخر الموازي – الاستثمارات التقليدية – مثل الأسهم هي الركيزة الأولى للأسواق وسيدة الجميع على الدوام لقرون طويلــــــــة، كيف لهذا النوع الجديد أن يسحب البساط المتماسك طويل المدى التي أحاكت خيوطه أسواق الأسهم والسندات على فترة طويلة من الزمن! قد يكون من وجهة نظر الكاتب أن معاملة الأفراد في الاقتصاد الحديث للأصول المملوكة لديهم يختلف مما هو عليه في السابق، ففي الوقت الراهن انخفضت وبقوة عالية حساسية المخاطر لدى الأفراد، فبدأ العديد منهم – نستثني من الممكن كبار السن أو من هم في سن التقاعد – في أخذ استثمارات ذات مخاطر لا تُصدق للعديد من الأسباب من أبرزها الثقة العالية في النمو المستقبلي للناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد العالمي بمساعدة مباشرة من القطاعات التقنية في المقام الأول، ذلك يُعزز من الدخول في استثمارات بمخاطر اعلى للحصول على عوائد أعلى بالطبع.
السبب الأخر هو أن هذه الاستثمارات ليس عليها قيود مشددة كما هي في أسواق الأسهم والسندات سواء على الشركات التي تعمل في القطاع أو حتى المستثمرين فيه، وتمتد هذه القيود لتصل للشركات المُدرجة للعامة والمُصدرة للسندات، لكن في الجانب الأخر القيود خفيفة للغاية في صناديق التحوط – على سبيل المثال – والتي لديها القدرة على رفع أحجام التمويل والدخول في استثمارات ذات مخاطر مرتفعة والعمل على استراتيجيات مختلفة مثل الدخول في شركات خاسرة وشركات مفلســـة وحتى في المشتقات المالية بكامل أشكالها المعقدة، هذا الشي سيرفع بالتأكيد درجة المخاطر، ولكن سيحقق مكاسب خيالية كما هو معروف. أيضًــا تُساعد هذه الأصول على التنويع في المحافظ الاستثمارية لتعمل بذلك على توازنها من ناحية العوائد والمخاطر. والاستثمار الاستراتيجي يُمكن العمل عليه بشكل أسهل في الأصول البديلة مقارنة مما هو عليه في التقليدية، فشركات راس المال الجري والملكية الخاصة والعديد من أشكال الاستثمار يمكن من خلاله التغيير في كيان وهيكلة الأصل على عكس الأسهم والسندات التي ليس لها هذه القوة المالية والهيكلية الهائلة.
لا تعمل محددات وأدوات الأسواق التقليدية على الأسواق البديلة، فالاستثمارات الغير تقليدية من الصعب تحليلها ونمذجتها وبناء توقعات لها مستقبلية مقارنة مما هو عليه في الاستثمارات التقليدية. لكن لكل شي ثمن، فالصعوبة هنا في الاختيار والتوقيت والتنويع يكون نتيجته – ليس على كل حال – تعزيز العوائد بشكل هائل، ولكن لم تم هذا بشكل خاطئ فسيكون هذا مكلفًــــا للغاية ولن تستطيع الأسواق إصلاح هذا الخراب بعملية توازن العرض والطلب والعمليات الأخرى. على أي حال ومن المتوقع أن تبقى أسواق الأسهم بالتحديد ولسنوات طويلة قادمة هي عنقود العنب البديع ومُلفت الأنظار ليُبقي” القادم الجديد ” في الظل الى يومًا ما في المستقبل.
اقتباس اقتصادي: ” تاريخيا، تحقق الأسهم عائدا أعلى من جميع الاستثمارات البديلة الأخرى تقريبا، ولكن فقط عندما يتم تسعيرها بشكل صحيح عندما يبدأ السباق” – بيل غروس
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال