الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في عالم يتسارع فيه التحول الرقمي، تُشكل البيانات الضخمة (Big Data) مفتاح استشراف المستقبل، حيث تتحول الأرقام إلى رؤى استراتيجية تُعيد صياغة الاقتصادات، وحياة الأفراد. ليست مجرد بيانات متراكمة، بل قوة ثورية تدفع عجلة التقدم. فكيف تُحدث البيانات الضخمة هذا التغيير، وكيف تُمكننا من قراءة ملامح المستقبل؟
وفقًا لتقرير صادر عن شركة IDC في 2024، من المتوقع أن يصل حجم البيانات المنتجة عالميًا إلى 181 زيتابايت بحلول 2025، مقارنة بـ 64.2 زيتابايت في 2020، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 23%. هذا الطوفان الرقمي، الذي يشمل بيانات وسائل التواصل الاجتماعي، أجهزة إنترنت الأشياء، والمعاملات المالية، يُمثل تحديًا وفرصة. تُعرف البيانات الضخمة، وفقًا لـ Gartner، بثلاثة أبعاد: الحجم، التنوع، والسرعة، مع بُعد رابع هو الصدقية، مما يتطلب تقنيات متطورة مثل الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لمعالجتها.
البيانات الضخمة هي وقود الاقتصاد الرقمي. يُشير تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2023 إلى أن البيانات والذكاء الاصطناعي قد يسهمان بـ 15.7 تريليون دولار في الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول 2030. في الولايات المتحدة، استثمرت الشركات أكثر من 250 مليار دولار في تحليل البيانات خلال 2024، بينما تتصدر الصين باستثمارات تجاوزت 300 مليار دولار، مما يعكس سباقًا عالميًا. الشركات التي تعتمد على تحليل البيانات تزيد إنتاجيتها بنسبة 5-6%، وفقًا لدراسة McKinsey لعام 2023. على سبيل المثال، قلّلت Amazon تكاليف الشحن بنسبة 20% خلال عامين باستخدام تحليلات البيانات. في القطاع العام، ساعدت البيانات خلال جائحة كوفيد-19 في تتبع الفيروس وتخصيص الموارد، رغم تحديات جمع الإحصاءات.
في الماضي، اعتمد الإنسان على الأساليب التقليدية لاستشراف المستقبل، لكن البيانات الضخمة حوّلت هذا إلى علم دقيق. يعتمد استشراف المستقبل اليوم على التحليلات التنبؤية والنمذجة الإحصائية لتوقع الاتجاهات الاقتصادية، الاجتماعية، والمناخية. يُظهر تقرير الأمم المتحدة لعام 2022 أن تحليل البيانات ساهم في رصد التقدم نحو أهداف التنمية المستدامة، مما ساعد الدول على تخصيص الموارد بشكل أكثر عدالة. فمثلًا في مجال المناخ، قلّلت تحليلات البيانات الخسائر الناجمة عن الفيضانات بنسبة 30% في مناطق آسيوية، وفقًا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة في 2024، عبر التنبؤ المبكر وتحسين الاستجابة.
وتُظهر المقارنات العالمية تفاوتًا في استغلال البيانات. الولايات المتحدة والصين تتقدمان بفضل استثماراتهما، بينما تواجه دول نامية تحديات مثل نقص المهارات وضعف البنية التحتية. يُشير البنك الدولي لعام 2023 إلى أن 60% من الدول منخفضة الدخل تفتقر إلى أنظمة جمع بيانات موثوقة. في المملكة العربية السعودية، تُعد رؤية 2030 نموذجًا طموحًا، حيث تستثمر المملكة في البيانات الضخمة لدعم التحول الاقتصادي. استثمرت المملكة 7 مليارات دولار في الذكاء الاصطناعي والبيانات بحلول 2024، وفقًا لتقرير وزارة الاقتصاد والتخطيط، مما يعزز مكانتها كمركز تقني إقليمي.
ورغم الفرص، تواجه البيانات الضخمة تحديات، خاصة الخصوصية والأمن السيبراني. وفقًا لتقرير IBM لعام 2024، بلغ متوسط تكلفة اختراق البيانات 4.45 مليون دولار، بزيادة 15% عن 2022. الاستخدام غير الأخلاقي للبيانات، مثل استهداف الأفراد دون موافقة، يُثير مخاوف.
في القطاع الصحي، أحدثت البيانات ثورة في التشخيص. وفقًا لمنظمة الصحة العالمية في 2024، زادت تحليلات البيانات متوسط العمر المتوقع في بعض الدول بنسبة 2-3 سنوات عبر التشخيص المبكر. وفي التعليم، حددت البيانات الطلاب المعرضين للتسرب بدقة 85% في تجربة بولاية واشنطن، مما سمح بتدخلات مبكرة. في المملكة العربية السعودية، ساهمت البيانات في تحسين التعليم عن بُعد خلال الجائحة، حيث زادت نسبة الطلاب المستفيدين من المنصات الرقمية بنسبة 40% بين 2020 و2023، وفقًا لوزارة التعليم.
وفي الختام؛ البيانات الضخمة ليست أداة فحسب، بل رؤية لمستقبل يقوم على قرارات مستنيرة. إنها تُمكن الدول والمؤسسات من استشراف التحديات والفرص، لكن نجاحها يعتمد بعد توفيق الله على العمل الدؤوب والمستمر.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال