الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في زمن تتسارع فيه وتيرة الابتكار، يقف الذكاء الاصطناعي كنجم ساطع يضيء دروب التقدم الاقتصادي والاجتماعي، متحديًا التوجسات التي تحيط بمستقبل العمل. بعيدًا عن المخاوف التقليدية من البطالة التكنولوجية، يقدم الذكاء الاصطناعي فرصًا غير مسبوقة لتعزيز الإنتاجية، خلق وظائف جديدة، وإعادة تشكيل سوق العمل بطريقة تجمع بين الكفاءة والإبداع. إن الرؤية المتفائلة للذكاء الاصطناعي، المدعومة بأرقام وحقائق، تؤكد أن هذه الثورة ليست تهديدًا، بل بوابة لمستقبل مزدهر إذا أُحسن استغلالها.
الذكاء الاصطناعي، الذي يُتوقع أن يسهم بـ15.7 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي بحلول 2030 وفقًا لتقرير شركة “PwC”، لا يقتصر على أتمتة المهام، بل يعمل كمحفز للابتكار. تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2025 يؤكد أن الذكاء الاصطناعي سيخلق 97 مليون وظيفة جديدة بحلول 2030، متجاوزًا الـ85 مليون وظيفة التي قد تُستبدل، مما يعني صافي زيادة في فرص العمل. هذه الوظائف الجديدة تشمل مجالات مثل تطوير الخوارزميات، تحليل البيانات الضخمة، وإدارة الأخلاقيات الرقمية، وهي قطاعات تتطلب مهارات متقدمة تتماشى مع متطلبات العصر.
في الاقتصادات المتقدمة، يعزز الذكاء الاصطناعي الإنتاجية بنسبة تصل إلى 40% في قطاعات مثل التصنيع والخدمات اللوجستية، وفقًا لدراسة من معهد ماكينزي. في الإمارات، على سبيل المثال، تُستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي في إدارة المرور الذكي، مما قلل الازدحام بنسبة 15% في دبي، وفقًا لبيانات هيئة الطرق والمواصلات. هذا التحسين لا يوفر الوقت فحسب، بل يخلق وظائف في مجالات مثل صيانة الأنظمة الذكية وتحليل البيانات المرورية. حتى في الأسواق الناشئة، حيث تُشير التقديرات إلى أن 20% فقط من الوظائف قد تتأثر بالأتمتة بحلول 2030، فإن الذكاء الاصطناعي يفتح آفاقًا جديدة في قطاعات مثل الزراعة الذكية والرعاية الصحية.
المخاوف من البطالة غالبًا ما تستند إلى سوء فهم لديناميكيات سوق العمل. التاريخ يعلمنا أن الثورات التكنولوجية، من الثورة الصناعية إلى ظهور الحواسيب، خلقت دائمًا وظائف أكثر مما ألغت. على سبيل المثال، في القرن العشرين، أدى ظهور الآلات الحاسبة إلى تقليص وظائف الحساب اليدوي، لكنه أوجد ملايين الوظائف في مجالات البرمجة وتكنولوجيا المعلومات. اليوم، يعمل الذكاء الاصطناعي على تحويل المهام الروتينية إلى فرص إبداعية، حيث أظهرت دراسة من “LinkedIn” أن الطلب على وظائف مثل مهندسي التعلم الآلي ارتفع بنسبة 74% سنويًا بين 2015 و2025.
الاستثمار في التعليم هو المفتاح لتبديد هذه التوجسات. في المملكة العربية السعودية، ساهمت برامج مثل “مهارات المستقبل” في تدريب أكثر من 100,000 شاب على مهارات الذكاء الاصطناعي والبيانات بحلول 2025، مما عزز قدرتهم التنافسية في سوق العمل. على الصعيد العالمي، تُظهر بيانات من منظمة اليونسكو أن الاستثمار في التعليم الرقمي يمكن أن يقلل الفجوة المهارية بنسبة 50% بحلول 2030، مما يضمن اندماج العاملين في الاقتصاد الجديد. سنغافورة، التي أعادت تأهيل 120,000 عامل سنويًا من خلال برنامج “SkillsFuture”، تُعد نموذجًا رائدًا في هذا المجال.
حتى في القطاعات التقليدية، يعمل الذكاء الاصطناعي على تعزيز فرص العمل بدلاً من القضاء عليها. في الزراعة، أدت التقنيات الذكية إلى زيادة الإنتاجية بنسبة 20% في مناطق مثل الهند، وفقًا لتقرير منظمة الأغذية والزراعة (FAO)، مما خلق وظائف في إدارة الأنظمة الذكية وتحليل البيانات الزراعية. في الرعاية الصحية، ساعد الذكاء الاصطناعي في تقليل أخطاء التشخيص بنسبة 30%، وفقًا لدراسة نُشرت في مجلة “Nature” عام 2024، مما عزز الحاجة إلى متخصصين في إدارة هذه الأنظمة.
الذكاء الاصطناعي لا يقتصر على خلق الوظائف، بل يعزز جودة الحياة المهنية. من خلال أتمتة المهام المتكررة، يتيح للعاملين التركيز على الجوانب الإبداعية والاستراتيجية. دراسة من “Gallup” أظهرت أن 70% من العاملين في بيئات مدعومة بالذكاء الاصطناعي أبلغوا عن تحسن في رضاهم الوظيفي بسبب تقليل المهام الروتينية.
بدلاً من الخوف من البطالة، يجب أن نرى الذكاء الاصطناعي كشريك يعزز الإمكانات البشرية. إن التحدي الحقيقي ليس في التكنولوجيا نفسها، بل في قدرتنا على التكيف معها. من خلال الاستثمار في التعليم، تعزيز الابتكار، وصياغة سياسات شاملة، يمكننا تحويل التوجسات إلى فرص. الذكاء الاصطناعي ليس نهاية العمل، بل بداية عصر جديد يعيد تعريف الإبداع البشري، ويؤكد أن المستقبل لن يكون للآلات وحدها، بل لمن يعرف كيف يستثمرها بحكمة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال