الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
كانت الشهادة الجامعية في الماضي تحظى بأهمية كبيرة. ولايرد حاملها بل كانت جواز سفر إلى الوظيفة تضمن لك الوظيفة والمكانة الاجتماعية. قد يكون ذلك صحيحا في زمن كانت فيه الوظائف محدودة، والمنافسة بسيطة، والعالم لا يتحرك بسرعة الضوء. أما اليوم فإن السوق يحتاج إلى مهارات قد لا تكون مكتوبة في سجل الدرجات.
الشهادة هي توثيق لسيرورة علمية، تبني العقل، تُعلّم النقد، والتحليل، والبحث. وتمثل دليلا على أن حاملها مر بمسار معرفي منظم، وخضع للتقويم. وأكتسب مفاهيم أساسية في تخصصه. ولكنها مع هذا لا تضمن أن صاحبها قادر على ممارسة ما تعلم. لم يعد السؤال المطروح عند التخرج: ما هو تخصصك؟ بل أصبح ما المهارات التي تمتلكها؟
هذا التحول يعكس واقعا جديدا بأن الوظيفة التي تتمناها لا يكفي حصولك على شهادة جامعية للالتحاق بها، بل تتطلب مهاراتك العملية وخبراتك المتراكمة. وتشير الأرقام الإحصائية الصادرة من الهيئة العامة للإحصاء 2024 انخفاض نسب البطالة بين السعوديين من حملة الشهادات الجامعية إلى 6.7% بين من يمتلكون مهارات تقنية أو مهارات مهنية أو لديهم مشاريعهم الخاصة. بينما تشير استطلاعات منشآت بأن 72 % من أصحاب المشاريع يفضلون توظيف الأشخاص الذين يمتلكون خبرات عملية أو مهارات تقنية حتى لو كانت شهاداتهم لا تتوافق مع طبيعة الوظيفة.
المهارة، ابنة الميدان. لا تُكتسب في القاعات، بل في الورش، والمصانع، والمواقف الحقيقية. المهارة تسبق الشهادة أحيانًا، وتسير بجانبها أحيانًا أخرى. لا تهتم بالألقاب، بل بالإنجاز. العالم يتجه اليوم إلى ما يُسمى بـ “اقتصاد المهارات”، حيث تُقاس كفاءة الفرد بما يُتقنه، لا بما يحمله من ألقاب.
من الواضح أن سوق العمل لم يعد يعتمد على المؤهل الأكاديمي فقط، بل يبحث عن موظفين قادرين على التعامل مع متطلبات العصر الرقمي، والعمل الجماعي، وحل المشكلات المعقدة. الكثير من الخريجين وجدوا أنفسهم في وظائف قد لا تتعلق بتخصصاتهم ولكنهم استطاعوا اكتشاف مسارات جديدة تُعبر عن قدراتهم الحقيقية.
الشهادة تمنحنا لغة التفكير، ومناهج التحليل، وأدوات الفهم، وأساليب التعبير. لكنها لا تعلّمنا كيف نمسك المطرقة، ولا كيف ندير آلة، ولا كيف نتفاعل مع متغيّرات السوق. أما المهارة، فهي فعل مستمر. تُعلّمنا الاستجابة، والتكيّف، والإنتاج، وربما الابتكار. لكنها قد تبقى محدودة إن لم تُدعَم بعقل ناقد، وتفكير منظّم، وتحديث مستمر. نحتاج إلى عقل الشهادة، ويد المهارة. إلى قلب يعرف، وعين تلاحظ، ويد تُنجز.
إن النظر إلى الشهادة والمهارة من زاوية المفاضلة أو التنافس قد يفضي إلى ازدواجية تُعيق التنمية البشرية. فالشهادة بلا مهارة تظل حبرًا على ورق، في حين أن المهارة بلا علم قد تُفضي إلى إنتاجٍ غير محسوب الأثر أو قصير الأمد. لا تكتمل المسيرة المهنية إلا بتكامل الشهادة والمهارة في زمن التنافسية التي تقر بأن لا مكان لمن يحمل الشهادة دون إتقان، ولا لمن يتقن مهارة دون تأصيل.
لبناء جسور التواصل بين الشهادة الجامعية والمهارات العملية وتوثيق روابط التكامل بينهما يمكن تحقيق ذلك من خلال عدد من الخطوات:
ربط المناهج بسوق العمل
وأقصد بذلك احضار مهارات سوق العمل إلى القاعات الدراسية من خلال (دمج دراسات حالة واقعية، توجيه مشاريع التخرج نحو مشكلات حقيقية في سوق العمل). أو عبر الزيارات الميدانية لسوق العمل.
تعزيز التدريب العملي
تطوير الممارسات التدريبية التي تعكس الاندماج الحقيقي في المهارات العملية. من خلال التنويع في أشكال المهارات والتلمذة العملية.
الشهادات المهنية القصيرة
التوعية بأهمية الشهادات التكميلية التي تعزز مهارات سوق العمل. شهادات التصميم الرقمي، وتحليل البيانات، وإدارة المشاريع. وغيرها من المهارات التي يتطلبها سوق العمل.
تطوير الشراكات الاستراتيجية مع سوق العمل
كمزود للخبرة الواقعية، وحاضنة للتدريب العملي، ومشاركا في تصميم المقررات.
ومضة
إن بناء الإنسان المنتج لا يتم عبر الشهادة وحدها، ولا من خلال مهارة تكتسبها اليد وحدها، بل عبر تكامل حقيقي يُعيد صياغة التعليم والتدريب معًا. وبين الاثنين تتحقق معادلة النجاح المهني.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال