الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لا حديث أكثر جدلا اليوم من أحاديث الذكاء الاصطناعي والبرامج الجديدة، والبرامج التنبئية، أحاديث الحماس والخوف، الحماس لآلة جديدة فهذه البرامج في النهاية تصدر عن آلات، والخوف منها بنفس القدر.
على مر التاريخ كان كل تطور في الأدوات التي تساعد الانسان على الإنتاج يقسم الناس الى نفس الفئتين، المتحمسون والذي يرون الفرص من خلاله، والخائفون الذين يتوخون الحذر من الآلة، او من تأثيراتها على حياتهم، والمعضلة اليوم هي: هل نحن نتحدث عن أداة جديدة؟ شخصيا اعتقد انها في ذاتها ليست أداة كالمحرك البخاري او السيارة والطائرة وخط الإنتاج الجماعي، لكن القلق ممن يريد ان يجعلها أداة في يده.
هذه المرة الأمر يتجاوز الحديث عن الأدوات، فنحن إزاء حديث عن بديل للعقل الى حد ما، أي للعنصر الذي طالما جعل الانسان سيد الأرض، فكل ما يبتكره عقله وتتفتق عنه حيلته هو دائما اما لزيادة الإنتاج، او زيادة الحماية، وفي حالة الأشرار الفاسدين لزيادة الطغيان عن طريق السيطرة والمراقبة في الأرض.
هذه المرة الأمر يأخذ بعدا فلسفيا عميقا، وهو لدى بعض المراقبين والمعلقين مرحلة صراع قد ينتج عنها تغييرات جذرية وعميقة في علاقات البشر، واعمالهم، ولا يعرف أحد تحديدا كيف ستكون النهاية.
البعض ممن تحمس في البداية، بدأت المخاوف تنتابه من ان هذا القادم الجديد من رحم عمالقة التقنية يدخل عالمه ليس مساعدا فقط، بل انه يحاول – او يحاول من برمجه – ان يجعله يحل مكانه تدريجيا، بدأ هذا ينطبق على كثير الاعمال الإبداعية في ككتاب السيناريو، والموسيقيين، واهل السرد بأنواعه، والرسم، وغيرها كثير، وأصبح من يعتقدون ان الصناعات او المجالات الإبداعية ستكون آخر من يتأثر يرونها اليوم اول او من أوائل من تأثر.
الفضول عامل اخر مهم في جعل الاهتمام يتزايد، ومحاولات الاستخدام او “التسخير” للذكاء الاصطناعي المعتاد او “التوليدي” او “التنبئي” او غيرها مما لا اعرف حتى الآن تتم بالتدريج، وهو فضول “قد يقتل القطة” وقد يفتح لها افاق ومصادر جديدة.
يسيل لعاب عمالقة التقنية للفرص الاستثمارية التي يعتقدون بها، ويسيل لعاب بعض أصحاب الاعمال في بعض مناطق العالم للقدر الذي يوعدون به من تقليص التكاليف، خاصة فيما يتعلق بالمورد البشري، حيث يمكنهم إحلال هذا الذكاء وبرمجياته تدريجيا مكان البشر.
هناك أيضا إشكالية بدأ الحديث عنها بجدية لمن بدأوا استخدام هذه البرمجيات، هي إشكالية دقة وصحة المعلومات التي تقدمها، فمن يضمن عدم ميل هذه البرمجيات او من يقف وراءها الى الكذب والتدليس؟ في الحقيقة لا يوجد ضمانات كافية الى الآن.
المؤكد هو ان أدوات الذكاء الصناعي ستغير الطريقة التي يعمل بها البشر، وإذا تغيرت الطريقة التي يعمل بها البشر يبدأ – من دون وعيهم أحيانا- التغير في طريقة تفكيرهم، رأينا ذلك مع وسائل التواصل الاجتماعي التي غيرت أسس التواصل والاتصال والاعلام، وتغير مع كل ذلك النظر او طريقة التفكير الى وفي بعض الأمور.
البعض يلجأ لمواكبة ما يحدث او يستخدم هذه الأدوات خشية من البقاء خارج هذه الموجة الجديدة، وهم محقون الى حد كبير، ولكن المشكلة ان البعض سيستخدمه حتى ولو كان هذا الاستخدام لا يغير كثيرا في منتجاته او مستوى خدماته.
انها مرحلة نعيشها، وسنرى كيف سنستفيد منها، وماذا سندفع مقابل هذه الاستفادة، فنحن جميعا متفقون ان لكل شيء ثمن، يستحقه أحيانا، وفي بعض الأحيان يكون الثمن أغلي كثيرا مما يستحق.
انها أمواج تتلاطم، وهذه الموجة بالذات عالية، فيجب ركوبها بحذر واحتراف، وتعلم الانسياب او “التزلج ” عليها بهدوء وثقة.
المطمئن بالنسبة لنا ان بلادنا تتعامل مع هذا الملف بذكاء انساني فطري، تسخره فيما يجب من صناعة وتقنية وتعزيز مسيرتها الرقمية اللافتة، ووضعت له استراتيجية بعيدة المدى لاستثماره في تطوير الحلول المبتكرة في عدة مجالات، وتعزيز الأداء الاقتصادي وزيادة السرعة في المجالات التي تتطلب ذلك ليكون أداة تستخدم بحكمة وبشكل مؤسسي لتجعل من هذه الآلة او الأداة “استثمارا” يزيد الناتج المحلي الإجمالي.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال