الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في ظل ما يشهده العالم من تسارع تقني غير مسبوق يظهر اقتصاد الواقع الافتراضي كأحد الأنظمة الاقتصادية الناشئة التي تعيد تشكيل طريقة إنتاج وتوزيع واستهلاك السلع والخدمات داخل بيئات رقمية ثلاثية الأبعاد تُبنى بالكامل باستخدام تقنيات الواقع الافتراضي. ويتميّز هذا الاقتصاد باعتماده على مكونات تقنية متكاملة تشمل الأجهزة المتخصصة مثل السماعات والقفازات الذكية والبرمجيات التي تشغّل هذه البيئات وتدير تفاعلاتها إضافة إلى البنية التحتية الداعمة كشبكات الإنترنت عالية السرعة والحوسبة السحابية وكل ذلك يهيئ بيئة اقتصادية جديدة تتجاوز حدود الواقع التقليدي.
الاقتصاد الافتراضي لا يقتصر على الترفيه أو الألعاب فحسب بل بات يشمل طيفاً واسعاً من السلع والخدمات الرقمية مثل الملابس الافتراضية والأصول الرقمية والفعاليات التعليمية والتدريبية وكلها تتم ضمن فضاءات افتراضية تفاعلية تُحاكي العالم الحقيقي بدرجة عالية من الدقة. وترتبط هذه البيئة بالعملات الرقمية سواء المشفرة أو الخاصة بكل منصة لتمويل المعاملات وتداول الأصول إلى جانب استخدام تقنيات البلوك تشين لتأمين حقوق الملكية للأصول الرقمية من خلال ما يُعرف بالرموز غير القابلة للاستبدال (NFTs).
من الناحية العملية بدأت تطبيقات هذا الاقتصاد تظهر بقوة في قطاعات عدة أبرزها السياحة والتدريب والرعاية الصحية والتجارة الإلكترونية. ويشهد العالم اليوم تكاملاً بين تقنيات الواقع الافتراضي ومنظومة الميتافيرس مما أدى إلى نشوء مجتمعات اقتصادية افتراضية مستقلة تتسم بالاقتصاد التشاركي وتتيح فرصاً جديدة للتفاعل الاقتصادي ولكنها في الوقت نفسه تطرح تحديات قانونية وتنظيمية معقدة تتعلق بالخصوصية والضرائب وحماية البيانات وحقوق الملكية الفكرية فضلاً عن الفجوة الرقمية الناجمة عن ارتفاع التكاليف والتفاوت في البنية التحتية بين الدول.
في السياق السعودي يُعد اقتصاد الواقع الافتراضي فرصة استراتيجية لتعزيز ركائز رؤية المملكة 2030 لا سيما في قطاع السياحة الذي يشهد تحولات نوعية نحو التجارب التفاعلية والتسويق الذكي حيث ساعدت هذه التقنيات في الترويج للمواقع السياحية بطريقة مبتكرة وتنظيم فعاليات افتراضية دعمت السياحة الداخلية وجذبت المهتمين من مختلف أنحاء العالم. كما ساهم هذا الاقتصاد في تطوير بيئة التدريب والتعليم عبر إنشاء منصات تدريب مهني متطورة وتقديم برامج تعليمية افتراضية متخصصة امتدت حتى إلى مجالات الأمن والدفاع بما يعزز من كفاءة الكوادر الوطنية في القطاعات الحيوية.
ومن الجانب الاستثماري بات الواقع الافتراضي محفزاً لجذب الشراكات التقنية وصناعة المحتوى المحلي وخلق بيئة اقتصادية خصبة لاحتضان الاستثمارات المحلية والأجنبية. وهذا يتماشى مع تطلع المملكة إلى التحول الرقمي الشامل وإنشاء مدن ذكية متكاملة وتفعيل تقنيات الذكاء الاصطناعي ضمن حلول مبتكرة توظّف الواقع الافتراضي لتعزيز الكفاءة والابتكار.
أخيراً يُعد اقتصاد الواقع الافتراضي مجالاً واعداً أمام الاقتصاد السعودي لتحقيق التميّز الإقليمي والعالمي لكنه يتطلب إدراكاً واعياً بالتحديات المصاحبة وسعياً جاداً لبناء منظومة تنظيمية وتشريعية تحمي وتدعم هذا النوع من الاقتصاد. وبين الفرصة والمخاطرة تبقى المملكة قادرة من خلال رؤيتها الطموحة على تحويل هذا الاقتصاد إلى ميزة تنافسية تقود بها مستقبلها الرقمي بثقة وريادة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال