الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
حين يدخل الذكاء الاصطناعي إلى الإدارات القانونية
في إحدى الإدارات القانونية، شارك أحد الزملاء رابط أداة ذكاء اصطناعي قادرة على تلخيص الأنظمة واللوائح السعودية وتحليل العقود، والرد على الاستشارات القانونية. بعد أسبوع، أصبحت الأداة تُستخدم يوميًا. كانت توفر وقتًا ثمينًا. لكن سرعان ما بدأت الأسئلة تتوالى: هل مخرجاتها دقيقة؟ ماذا عن الخصوصية؟ وهل تحترم خصوصية النصوص التي نُدخلها فيها؟
هذا المشهد بات شائعًا في بيئات العمل القانونية. التحول الرقمي وصل إلى الإدارات القانونية. وهنا يصبح من الضروري طرح السؤال: ما الضوابط التي يجب أن تحكم استخدام الذكاء الاصطناعي في الأعمال القانونية؟
ماذا يقدّم الذكاء الاصطناعي للإدارات القانونية؟
بات الذكاء الاصطناعي التوليدي حاضرًا في إعداد المسودات القانونية، مراجعة الوثائق، تحليل الأنظمة، تلخيص النصوص الطويلة، وحتى دعم فرق الامتثال في متابعة التحديثات التنظيمية. يوفّر وقتًا وجهدًا، ويساهم في رفع كفاءة الفرق القانونية، خاصةً في بيئات تتسم بكثافة المعاملات وسرعة التغيّر التشريعي.
لكن رغم هذه المزايا، لا يخلو الاستخدام من تعقيدات. لا يكفي أن تعمل الأداة؛ بل يجب أن تعمل بطريقة متوافقة مع الأنظمة المحلية، وتحترم خصوصية البيانات، وتكون تحت إشراف قانوني بشري واعٍ.
أربع تحديات لا يمكن تجاهلها
تعجز الأدوات التقنية عن استيعاب السياق القانوني المحلي بدقة. فهي غير مبرمجة على التراكم الفقهي أو التطبيقات القضائية المحلية، مما يؤدي أحيانًا إلى نتائج لا تتفق مع الأنظمة السعودية.
قد تولّد الأداة مخرجات تبدو صحيحة لغويًا لكنها تحتوي على مغالطات قانونية. يحدث هذا حين تخلط الأداة بين مفاهيم أو أنظمة لا تتقاطع منطقيًا، مما يضلل المستخدم إذا لم يكن مدققًا.
إدخال بيانات تعاقدية أو تنظيمية في أداة لا تضمن الحماية قد يعرّض تلك البيانات للانكشاف أو التخزين غير المشروع. وهذا يُعد إخلالًا صريحًا بالسرية المهنية ومتطلبات الامتثال التنظيمي.
الاعتماد الزائد على هذه الأدوات قد يُضعف من قدرة الممارس على التحليل، والربط، وصياغة الحجج القانونية. إذ تضعف الحاجة للتفكير القانوني، ويحل محله التمرير السريع للمخرجات التقنية.
من التقنية إلى الحوكمة: ماذا نفعل؟
أمام هذه التحديات، لا بد من ضبط استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي عبر ممارسات تنظيمية واضحة. الحوكمة هنا لا تعني المنع، بل تعني التنظيم والضبط وتحقيق التوازن بين الفاعلية والدقة.
ممارسات عملية مقترحة:
الذكاء الاصطناعي: أداة لا قرار
لا يجب التعامل مع الذكاء الاصطناعي كمرجعية قانونية، بل كأداة تساعد الممارس في الوصول إلى المعلومة أو تنظيمها أو تلخيصها. لكنها لا تستطيع التكييف النظامي، ولا تفسير النصوص بمعزل عن السياق.
ولهذا، فإن الذكاء الاصطناعي لا يُغني عن التحليل القانوني البشري، بل يظل محتاجًا له ليتجنب الخطأ، ويضبط السياق، ويضمن الامتثال.
خلاصة: التقنية بلا حوكمة خطر خفي
في بيئة تتسارع فيها التطورات التقنية، من السهل الانبهار بما يمكن أن تقدّمه الأدوات الجديدة. لكنها، دون تنظيم ورقابة ووعي، قد تؤدي إلى قرارات قانونية غير دقيقة، أو اختراقات خصوصية غير مقصودة، أو تآكل بطيء في المهارات القانونية الجوهرية.
تقدير التقنية لا يعني التسليم بها، بل توظيفها بوعي. وفي المجال القانوني، لا يكون الوعي تقنيًا فقط، بل قانونيًا أيضًا.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال