الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
عندما بدأ “دونالد ترمب” ولايته الأولى كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية (الرئيس ال 45)، كانت أول زيارة خارجية رسمية له إلى المملكة العربية السعودية في شهر مايو عام 2017، وكان سعر خام برنت حينها يتداول عند نحو 53 دولار. واليوم، وهو يستعد للعودة إلى الرياض كأول زيارة رسمية خارجية بصفته (الرئيس ال 47)، تتراوح أسعار النفط على مدى شهر ما بين 60 إلى 64 دولار للبرميل.
خلال حملته الانتخابية عام 2024، وعد “ترمب” بخفض أسعار النفط إلى النصف حينما كانت قرب 80 دولار، إلا أن سعر التكلفة المتزايد يجعل الأسعار عند مستويات ال 60 دولار لا تدعم الأهداف الطموحة التي يسعى إليها من حيث نمو الإنتاج. في شهر أبريل عام 2025، صرّح الرئيس التنفيذي لشركة Liberty Energy، احد اكبر شركات النفط والغاز الصخري أن مستويات الأسعار عند 60 دولار لا توفّر “بيئة مشجعة للاستثمار”، وأي انخفاض إضافي إلى مستوى 50 دولار قد يؤدي إلى تقليص عدد الحفارات وخطط الإنتاج. الجدير بالذكر أن هذه الشركة كان يرأسها وزير الطاقة الأمريكي الحالي “كريس رايت”، الذي عبّر عن ثقته في قدرة صناعة النفط الصخري الأميركي على الصمود حتى عند مستوى 50 دولار، مستندًا إلى الابتكار والكفاءة التشغيلية.
ومع ذلك، تُظهر بيانات حفارات النفط الأمريكية نوعًا من التردد في السوق لعكس طموحات ترمب، إذ انخفض عدد الحفارات من 482 في مطلع شهر يناير عام 2025 إلى 479 حفار في مطلع شهر مايو عام 2025. هذا التراجع في عدد الحفارات حتى وان كان طفيف، إلا أنه يعكس نهجًا حذرًا تجاه السوق وتقلباته مع حالة عدم اليقين السائدة، كما انه يتعارض مع طموح “ترمب” برفع إنتاج الولايات المتحدة إلى 16 مليون برميل يوميًا، أي بزيادة تُقدّر بنحو ثلاثة ملايين برميل يوميًا عن المستويات الحالية. وتُظهر هذه البيانات أن السوق لا يدعم هذه الزيادة في الأجل القريب، مما يعكس الفجوة بين الطموحات السياسية وواقع السوق الذي مازال متأثر بسياسات الإدارة السابقة التي رفعت تكلفة إنتاج النفط الصخري.
شركات النفط الأمريكية قد حذّرت من تباطؤ في نمو الإنتاج داخل حوض بيرميان، الذي يمثل نحو ثلثي نمو إنتاج النفط الصخري الأمريكي. فرغم أن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية توقعت أن يصل إنتاج الحوض إلى 6.6 ملايين برميل يوميًا بحلول عام 2025، تشير تصريحات حديثة من التنفيذيين في القطاع إلى تباطؤ بنسبة لا تقل عن 25% هذا العام، إذ من المتوقع أن يزداد الإنتاج بمقدار 250 ألف برميل يوميًا فقط، مقارنة بـ 380 ألف برميل في عام 2024.
يُعزى هذا التراجع إلى ارتفاع التكاليف نتيجة السياسات السابقة والتضخم. لذلك يواصل سعر التعادل في صناعة النفط الصخري ارتفاعه، مما يعني أن المستثمر بات يحتاج إلى أسعار تتجاوز 90 دولار ليستعيد الزخم المطلوب للنمو وتحقيق طموحات ترامب. ومع تراجع أسعار النفط إلى ما دون مستويات الاستدامة، تواجه صناعة النفط خطر متزايد يتمثل في انخفاض الاستثمارات اليوم، ونقص حاد في الإمدادات مستقبلاً.
أسعار النفط المنخفضة تهدد مستقبل استقرار الإمدادات
أدت التوترات التجارية العالمية والتقلبات العامة في الأسواق إلى تراجع الاسعار إلى مستويات منخفضة حول مستويات ال 60 دولار، تُشير مجموعة العوامل المتداخلة من تراجع الأسعار، وضغوط التضخم، وتباطؤ الاستثمار إلى نقطة تحول حرجة قد تغيّر ملامح أسواق الطاقة العالمية لعقود قادمة. فكلما انخفضت الأسعار عن مستويات الاستدامة، زادت احتمالات حدوث أزمة إمدادات في المستقبل. لطالما شددت “منظمة أوبك” على أهمية استقرار الأسعار لضمان تدفق الاستثمارات، لكن صبر المستثمرين بدأ ينفد، ومع تصاعد حالة عدم اليقين الاقتصادي، تزداد احتمالات التباطؤ المستقبلي في الإمدادات.
هبوط الاسعار قد يلحق ضررًا عميقًا ومستمرًا بعمليات الاستكشاف والإنتاج العالمية، بما يفوق التعديلات الطفيفة المتوقعة في الإمدادات لعام 2025، رغم أن مستويات أسعار النفط الحالية عند 60 دولار قد تحدث تداعيات بعيدة المدى على الاستثمار مما قد يُعيد رسم مشهد أسواق النفط العالمية لسنوات قادمة.
لطالما اعتُبرت الأسعار في نطاق 70 إلى 80 دولار انها مستويات توازن بين الحفاظ على الاستثمار وضمان عدم إرهاق المستهلك. لكن التطورات الأخيرة كشفت واقعًا أكثر صعوبة: أن هذا النطاق لم يكن مثاليًا قط، بل الحد الأدنى اللازم لبقاء الصناعة واقفة على قدميها.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال