الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تناولنا في مقالات سابقة مفهوم الحوكمة ودور لجنة المراجعة بين اللائحة السابقة والأخيرة المحدثة، ومؤخراً أهمية استقلال لجان شركات المساهمة، واليوم سنستعرض مفهوم لجان الشركات بحسب النظام ولائحة حوكمة شركات المساهمة، وماهو إلزامي منها واختياري ويوصى بها بحسب أفضل الممارسات العالمية وعلى النحو التالي:
تهدف لائحة حوكمة الشركات الصادرة عن هيئة السوق المالية في المملكة العربية السعودية إلى إرساء إطار قانوني فعّال ينظم كيفية إدارة شركات المساهمة، ويضمن التزامها بأفضل ممارسات الحوكمة المعتمدة محلياً ودولياً. وتُعنى هذه اللائحة بتفعيل دور المساهمين في الشركة من خلال تمكينهم من ممارسة حقوقهم بفعالية، وتوضيح حدود واختصاصات كل من مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية، بما يحقق التوازن بين السلطات ويدعم أداء الشركة. كما تسعى اللائحة إلى تعزيز فعالية مجلس الإدارة من خلال تفعيل دوره ودور لجانه، مما يسهم في تطوير آليات اتخاذ القرار داخل الشركة، ورفع جودة قراراتها الإدارية والمالية.
وتُبرز اللائحة أهمية الشفافية والنزاهة والعدالة في تعاملات السوق المالية، إذ تضع أطراً واضحة للإفصاح والرقابة والالتزام، بهدف توفير معلومات دقيقة ومتاحة لجميع الأطراف ذات العلاقة، كما تتضمن أدوات عملية لمعالجة حالات تعارض المصالح، وتعزيز آليات الرقابة والمساءلة، إلى جانب إرساء علاقة متوازنة وعادلة مع أصحاب المصالح، وتسعى كذلك إلى رفع كفاءة الإشراف على الشركات وتعزيز الوعي بأهمية السلوك المهني، بما يعزز من استدامة شركات المساهمة ويزيد من جاذبية البيئة الاستثمارية في المملكة.
أما الحوكمة ووفقاً للائحة، فهي منظومة متكاملة تنظم العلاقات بين مختلف أطراف الشركة، وعلى رأسهم مجلس الإدارة، والإدارة التنفيذية، والمساهمين، وأصحاب المصالح، وتتمثل وظيفتها الجوهرية في وضع قواعد وإجراءات تضمن وضوح المسؤوليات، وتسهم في دعم اتخاذ القرارات، وتفعيل الشفافية والمساءلة، بما يعزز من ثقة المستثمرين، ويرفع من كفاءة الشركة التشغيلية والتنافسية، ويضمن استمراريتها في بيئة أعمال تتسم بالديناميكية والانضباط المؤسسي لتحقيق الاستدامة.
وبحسب ما ورد في لائحة حوكمة شركات المساهمة، فإن مفهوم ودور اللجان كمجموعات فنية متخصصة تُشكّل من قبل مجلس الإدارة، سواء من بين أعضائه أو من خارج المجلس، وبحسب المادة (47) من اللائحة يُناط بهذه اللجان مهام محددة، ويتم تحديد مدة عملها، وصلاحياتها، ومسؤولياتها، وحقوق وواجبات أعضائها بقرار صادر من مجلس الإدارة، مع ضرورة إخضاعها لآلية رقابية وتقييم دوري لأدائها. وذلك لأن مجلس الإدارة هو المسؤول الأول أمام المساهمين والغير. ولفهم المنظم لتلك الاحتياجات المتخصصة والمهارات اتاح تلك الفكرة في سبيل ضمان إدارة الأعمال باحترافية ومهنية أعلى، وكخطوط دفاع أخيرة داخل المنشآت.
تُعتبر اللجان أحد أهم الادوات المساندة لمجلس الإدارة تسهم في تحقيق فاعلية أعلى في الإدارة والرقابة، من خلال ابداء الرأي الفني والمتخصص بملفات حساسة مثل المخاطر، الاستثمار، الترشيحات، أو المراجعة. ويبرز الهدف الأساسي منها ضمن المادة (3) من اللائحة، والتي أشارت إلى أن أحد الأهداف الجوهرية للائحة هو “تفعيل دور مجلس الإدارة واللجان وتعزيز آليات اتخاذ القرار في الشركة”، لتُسهم في تعزيز مبادئ الشفافية، والمساءلة، والكفاءة، وذلك من خلال توزيع المهام الرقابية والتنفيذية بطريقة تتيح التركيز والعمق في معالجة المواضيع الحساسة.
على سبيل المثال، تنص المادة (52) على أن لجنة المراجعة تُعنى بمتابعة القوائم المالية، ونظام الرقابة الداخلية، والتواصل مع المراجع الخارجي. بينما تتولى لجنة المكافآت بموجب المادة (58) مهمة وضع السياسات المتعلقة بالمكافآت، وتقديم التوصيات بشأن مكافآت أعضاء المجلس والإدارة التنفيذية. أما لجنة الترشيحات، فقد خُصصت لها المادة (62)، وهي معنية بترشيح الأعضاء وتقييم أدائهم، واقتراح برامج التدريب وخطط التعاقب الوظيفي. وبالنسبة للجنة إدارة المخاطر، فهي منصوص عليها في المادة (68)، وتُعنى بمراقبة سياسات إدارة المخاطر وتقييم مستويات المخاطر التي قد تواجه الشركة.
ومن خلال المهام السابقة يتبن أن دور تلك اللجان ليس دوراً ثانوياً أو هامشياً بل جوهرياً أساسياً، يساهم في طرح حلول واراء فنية متخصصة مبنية على دراسات مستفيضة وبعناية، ولكن الغريب أن في كل التنظيمات التي أشارنا اليها في مستهل مقالنا لا يوجد إلزام للجنة المخاطر، مع العلم بأنها أحد أهم خطوط الدفاع الأخيرة بالمنشأة، فقبول المخاطر العالية يتوجب وجود متخصصين مستقلين لا يخضعون لأي تبعية داخل المنشأة لضمان قرارات مستقلة ومحايدة، لأن الغالب في إدارة الأعمال القبول الشره للمخاطر، والتي غالباً ما تكون نتائجها كارثية.
وفي ظل تسارع المخاطر التشغيلية والمالية، يصبح من الضروري ألا تُعامل لجان الشركات على أنها هياكل شكلية، بل أدوات حوكمة محورية تمارس تأثيراً مباشراً على استدامة الشركات وربحيتها. فكما أشرنا في مقالنا أن أهدف الحوكمة مبنية على الاستدامة، ولا يمكن تحقيق الاستدامة إلا بوجود مجموعة من الضوابط كـ الامتثال، الاستباقية، والتشاركية، والرقابة، والتكامل، والاستخدام الأمثل للموارد وبفعالية وكفاءة، وعبر مبادئ لا مجال لتجاهلها كـ المساءلة، والشفافية، والنزاهة، والمسؤولية، والعدالة، واخيراً سيادة القانون. أن ترسيخ اللجان كجزء أساسي من بنية الحوكمة، لا يعد خيار تكميلي! بل هو ما يصنع الفرق بين الحوكمة الشكلية والحوكمة الفاعلة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال