الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لطالما اعتُبرت المنشآت الصغيرة والمتوسطة قلب الاقتصاد النابض، ليس في المملكة العربية السعودية فقط، بل في مختلف اقتصادات العالم.
كما أن المملكة، تسعى لتحقيق رؤية 2030 في رفع مساهمة هذا القطاع الحيوي في الناتج المحلي الإجمالي من 20% إلى 35%.
لكن رغم هذه الفرص الهائلة، إلا أن رحلة المنشآت الصغيرة والمتوسطة نحو الاستقرار المالي ليست سهلة، فهي تمر بين مطرقة تحديات السوق وسندان الرسوم والالتزامات الحكومية، إضافة إلى عقبة لا تقل خطورة: ضعف الإدارة المالية.
صعوبة تحقيق الاستقرار المالي… ليس مجرد مصادفة
قد تبدو فكرة تأسيس مشروع صغير مغرية في البداية: فكرة مبتكرة، سوق واعد، دعم حكومي متزايد… لكن على أرض الواقع ، كثير من هذه المنشآت تُعاني منذ الشهور الأولى.
لكن مالسبب ؟
لأنها تدخل السوق بدون خطة مالية محكمة، تكتفي بالحماس، وتتجاهل حساب التكاليف الثابتة والمتغيرة، والاحتياجات الرأسمالية على المدى الطويل.
الاستقرار المالي لا يأتي بالصدفة، ولا بتحقيق أرباح مؤقتة.
هو نتيجة إدارة دقيقة للتدفقات النقدية، ضبط للمصاريف، وتخطيط لمواجهة أوقات الركود قبل حدوثها.
الرسوم الحكومية… عبء إضافي على الكتف الصغير
رغم أن الدولة عملت خلال السنوات الماضية على تحفيز هذا القطاع، إلا أن بعض الرسوم مثل:
– رسوم العمالة الوافدة،
– رسوم البلدية،
– رسوم التراخيص والاشتراكات التجارية،
– متطلبات التأمينات الاجتماعية والزكاة والضريبة،
باتت تشكل عبئًا حقيقيًا، خاصة على المنشآت في مراحلها الأولى.
التحدي هنا أن كثير من المنشآت الناشئة لا تحسب هذه التكاليف ضمن خطة تشغيلها الأولية.
لتتفاجأ بعد التأسيس بأنها تحتاج إلى سيولة إضافية فقط للبقاء ملتزمة قانونيًا، قبل حتى أن تبدأ في تحقيق أرباح مستدامة.
الإدارة المالية الضعيفة… العدو الصامت
بجانب ضغط الرسوم، هناك تحدٍ داخلي خطير: ضعف الثقافة المالية عند أصحاب المنشآت.
كثير من المشاريع تدار بعقلية “نشوف نهاية الشهر”، بدون أي:
– تحليل للتكاليف.
– ضبط لميزانية المصاريف.
– تخطيط احتياطي للطوارئ.
غياب المحاسبة الدقيقة، وعدم تخصيص ميزانيات للنمو أو الأزمات، يجعل أي صدمة بسيطة – مثل ارتفاع الأسعار أو تباطؤ المبيعات – كفيلة بتهديد المشروع.
المشكلة الأكبر أن بعض رواد الأعمال يخلط بين المال الشخصي ومال المنشأة، مما يسبب فوضى مالية تصعب السيطرة عليها لاحقًا.
السوق لا يرحم من لا يستعد
في سوق مفتوح ومليء بالتنافسية مثل السوق السعودي، البقاء للأكثر ذكاءً.
اليوم، العميل يقارن، ويبحث عن الجودة والسعر والخدمة، وأي منشأة لا تكون مستعدة لمواكبة التغيرات بتكاليف مدروسة واستراتيجيات مرنة، تخسر مكانها بسهولة.
والمنافسة لا تأتي فقط من الداخل، بل من شركات عالمية بدأت تدخل بقوة، مما يزيد من صعوبة المعركة على الشركات الصغيرة.
ماهو الحل الممكن ؟
التخطيط المالي المبكر:
قبل فتح أي مشروع، يجب وضع خطة مالية دقيقة تشمل الرسوم، التكاليف، السيناريوهات السلبية المحتملة.
الفصل بين المال الشخصي والمالي التجاري:
حتى لا تتداخل الحسابات وتضيع الأرباح أو تتحمل ديون إضافية بدون مبرر.
التدريب المالي:
الاستثمار في تعلم أساسيات المحاسبة وإدارة التدفقات النقدية، أو الاستعانة بمحاسب أو مستشار مالي محترف.
بناء احتياطي للطوارئ:
تحسبًا لأي فترات ركود أو ارتفاع مفاجئ في التكاليف.
الاستفادة من برامج الدعم الحكومي:
سواء من بنك المنشآت الصغيرة والمتوسطة أو برامج التمكين المختلفة التي تقدم دعمًا ماليًا وفنيًا.
كلمة أخيرة: النجاح المالي مش ضربة حظ، بل نتيجة وعي وإدارة
المنشآت الصغيرة هي أمل اقتصادي مهم، لكنها تحتاج إلى وعي أكبر بالتحديات قبل الفرص.
الاستقرار المالي لا يُبنى في الأيام السهلة فقط، بل يظهر في القدرة على الصمود وقت الشدة.
وفي النهاية، السوق السعودي واعد، لكنه أيضًا مليء بالتحديات… والفارق بين منشأة تصمد وأخرى تتعثر، هو دائمًا:
كيف تدير مالك… قبل أن يديرك السوق.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال