الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لم يترك الذكاء الاصطناعي باب إلا طرقة ولا مدينة إلا زارها ولا أخضر ولا يابس إلا ونجد الذكاء الاصطناعي يتسيد الموقف. ليس ذلك فحسب بل انه إذا دخل في مجال أصبح هو البطل وأثبت للجميع فشلهم وبطأهم وبدأ يسحب البساط من تحت ارجلهم. مثله مثل الثورة الصناعية التي أخرجت بتلك الآلة المزارع من المزرعة لتثبت أنها تستطيع فعل ما يفعله الرجل مئات بل آلاف المرات. كذلك القطار والطائرة اللذان قربا المسافة التي يقطعها الشخص بالأشهر لتصبح بالساعات. والعديد من الحرف اليدوية التي كانت لا تُعمل الا بأيدي الناس. فعند دخول الثورة الصناعية، ترك المزارعون أعمالهم لقلة فرص العمل أمام تلك الآلة العجيبة ليجدوا أعمال أخرى تنتظرهم في المدينة مثل التعليم والإدارة والهندسة والعلوم وغيرها من المجالات الأخرى. والسؤال هنا: هل سيخرج الكيميائي من معمله بسبب دخول هذا المتطفل الجديد والمسمى بالذكاء الاصطناعي الذي بالتأكيد سيتغلب عليه قريبا ان لم يكن قد فعل؟ وهل خسر هؤلاء الكيميائيون أعمالهم أم سيجدوا أعمال أخرى؟
على الرغم من إيجابيات الذكاء الاصطناعي في مجال الكيمياء الا أن هناك قلق في سوق العمل للكيميائيين. فمثلا يُساعد الذكاء الاصطناعي في تحديد المركبات الجديدة بسرعة هائلة وتحسين كفاءة عمليات التصنيع بشكل مذهل بينما يستغرق العقل البشري فترة أطول من ذلك بكثير. ويعتقد مطوروا أنظمة الذكاء الاصطناعي المتعلقة بالكيمياء بأن تقنياتهم ستُطلق موجة من المركبات الجديدة التي ستتطلب من الكيميائيين تقييمها واختبارها. وتتمثل نظريتهم في أن الذكاء الاصطناعي سيُعزز قدرات الكيميائيين بدلًا من أن يحل محلهم. لكن هناك مدرسة فكرية أخرى ترى أن الكيميائيين التقليديين سيصبحون أقل فائدة، خاصةً عند دمج الذكاء الاصطناعي مع الروبوتات، وأن معظم الوظائف الجديدة ستكون متاحة فقط للمتخصصين في الذكاء الاصطناعي. ويعتقد البعض أن الوظائف في شركات الكيماويات، حيث تحدي خفض التكاليف في أوجه، ستكون أول الوظائف التي ستُفقد.
هناك العديد من الأمثلة للذكاء الاصطناعي في الكيمياء مثل التعلم الآلي (ML) Machine learning: وهو عبارة عن خوارزميات تتضمن تحليلات تنبؤية، تساعد الشركات على توقع الاتجاهات المستقبلية بناءً على البيانات المتاحة. أنظمة التعلم الآلي تتعلم من البيانات وتتحسن بمرور الوقت، دون الحاجة إلى برمجة، وذلك من خلال التعرف على الأنماط. لها أنواع عديدة من بينها وهو المشهور لدى العديد من الناس حاليا وهو (GPT) حيث تم تدريبه على كميات هائلة من البيانات ويمكن ضبطه لأداء أعمال متنوعة. ومن الأمثلة الأخرى اتصال الأجهزة (Hardware Connectivity): وهي معدات أو اجهزة، عند توصيلها بأنظمة الذكاء الاصطناعي، تُتيح أعمال وظيفية أكبر. على سبيل المثال، في المختبرات الآلية، يمكن برمجة الروبوتات لاختبار مركبات جديدة بسرعة فائقة. ويمكن توصيل أجهزة الاستشعار في شركات التصنيع رقميًا بأنظمة الذكاء الاصطناعي لتشخيص مشاكل الصيانة أو السلامة المحتملة.
بناء على الاحصائيات الناتجة من المنتدى الإقتصادي العالمي (World Economic Forum) فإنه نتيجة استخدام الذكاء الاصطناعي فإن ٩٢ مليون وظيفة ستلغى في هذا القطاع بينما ستستحدث ١٧٠ وظيفة أخرى. كما يراها البعض أنها نقلة نوعية في الوظائف بدلا من تسميتها الغاء واستحداث وظائف. وبالتأكيد فأنه سيكون هناك رابح وخاسر في هذه اللعبة. على سبيل المثال في تطبيق الذكاء الاصطناعي في الاعمال، فإن شركة (Insilico Medicine) بدأت بـ ٢٠٠ وظيفة في الذكاء الاصطناعي والعديد منها في الكيمياء فقد تم تصميم نظام تعليم آلي لصناعة مركبات كيميائية جديدة بمواصفات معينة خلال العشر سنوات الماضية. حتى الان فقد تم الانتهاء من تصنيع ١٠ مركبات وهي الان في طور التجربة. يقول المدير التنفيذي للشركة (Alex Zhavoronkov) أنهم استطاعوا بواسطة الذكاء الاصطناعي تقليص الوقت حيث العمل ١٣ شهر بمساعدة الذكاء الاصطناعي يعادل العمل ٣ سنوات بدونه. وفي وجهة نظره فإن مصممي البرامج ومدراء الإنتاج هم الحلقة الأضعف والذي سيكون الذكاء الاصطناعي أخذ جزء كبير من أعمالهم فمن الذكاء أخذ الاحتياطات اللازمة والتماشي مع التيار.
اتبع نفس النهج في استخدام الذكاء الاصطناعي العديد من مدراء الشركات وباحثي الجامعات مثل (professor Lee Cronin) في جامعة جلاسكو في اسكتلاندا و (Jasmine Hume) مديرة شركة (Shiru) لتطوير البروتين واللذان يتوقعان أن الذكاء الاصطناعي سيزيد فرص الوظيفة بدلا من تقليصها. كما يقول (Buff Lopez) المحلل في مجموعة (Cleantech Group) أن هناك عدد كبير من المركبات الكيميائية العضوية الصديقة للبيئة والتي يمكن استخدامها بدل من تلك الغير مستدامة. لكنها يجب يجب ان تخضع للفحص والاختبارات اللازمة لإختيار المناسب منها وذلك يتطلب الذكاء الاصطناعي، وبالطبع العديد من الفرص الوظيفية. في الشركة الالمانية (Dunia Innovations) يستخدمون الذكاء الاصطناعي لتطوير طرق اكثر استدامة لانتاج المواد وذلك بدمج نماذج التعليم الالية مع تقنية الروبوت في المختبر، مما يزيد الفرص الوظيفية.
لكي يكون هناك اشخاص مؤهلين في الذكاء الاصطناعي في مجال الكيمياء فإنه يجب تدريبهم وتأهيلهم على ذلك. بعدها يتم الاختيار من بينهم، حسب نقاط القوة لديه، ليملأ المكان المناسب له. فالبحث عن أشخاص مؤهلين في هذا المجال أمر صعب لندرتهم وخصوصا في هذا الوقت. السبب الرئيسي هو عدم وجود برامج التأهيل الكافية. على الرغم من إدراج الذكاء الاصطناعي في مناهج الكيمياء في بعض الجامعات في العالم مثل (Imperial College London) و(Swiss Federal Institute of Technology ETH) إلا أن ذلك يتطلب وقت طويل للجامعات الأخرى لهذا الاتجاه، وخصوصا مع أنظمة الجامعات المتبعة في وقتنا الحالي. ربما يكون للمنصات التدريبية العالمية التي تعمل عن بعد مثل (Coursera) أو (edX) وغيرها دور كبير في زيادة مهارات الراغبين في ذلك. التغير متسارع جدا والحاجة ماسة للتطوير. ولكن يبقى السؤال هنا، مع وجود الذكاء الاصطناعي الذي يزداد ذكاء يوم بعد يوم ويعمل بلا كلل أو تعب ولا يحتاج الى إجازة أو فترات نوم أو راحة، هل سيساعد وجود هذا المتطفل الجديد على تمكين الكيميائيين من العمل أم استبدالهم والإحلال محلهم؟
المرجع:
c&en Chemical and Engineering News, 10th March 2025. P.28
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال