الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
كانت زيارة الرئيس الأمريكي “دونالد ترمب” إلى الرياض (14-13 مايو 2025) بمثابة اختبار لصيغة جديدة من الجاذبية الاقتصادية التي باتت المملكة العربية السعودية تمثلها في زمن متغير، فالأسماء في القائمة التي رافقته أشبه بهيئة تنفيذية تبحث عن الممرات الآمنة والأسواق السيادية التي تعرف كيف تعيد صياغة الثقل لا على الورق، ولكن على الأرض.
حين يزور الرياض أشخاص مثل “إيلون ماسك”، و”لاري فينك”، و”ستيفن شوارزمان”، و”جينسن هوانغ”، ورؤساء أكبر شركات التقنية والتمويل والطاقة والدفاع، فهم لا يفعلون ذلك لأن وقتهم يسمح، أو طمعا في عقود مؤقتة، بل لأنهم يبحثون عن تموضع طويل الأمد في نقطة ثقل جديدة، فالعالم الذي يعيد تشكيل خرائط الإنتاج والتكنولوجيا والمعادن الاستراتيجية والطاقة الخضراء، يدار من حيث تُصاغ السيادة الصناعية الجديدة، والرياض اليوم باتت تشبه مركز ثقل اقتصادي يفرض نفسه عبر ثلاثية نادرة، القرار السيادي، والسيولة الطويلة، والرؤية التي لا تساوم على أولوياتها.
لكن ما أبعد من كل هذا، هو الاستشراف الكامن في الأذهان الأميركية النخبوية التي ستسأل هل يمكن أن تكون السعودية بديلا آمنا وممكنا عن الصين في بعض سلاسل القيمة والتقنيات الحساسة؟
بالطبع، لن يكون الاستبدال كاملا، ولكن توازنا يعيد توزيع المخاطر الجيوسياسية الأمريكية، فالمملكة تقدم ما لا يمكن للصين أن تقدمه، بل وحتى ما تعجز عنه بعض القوى الآسيوية المتحالفة مع “واشنطن”، مثل الاستقلالية السياسية التي لا تحمل خصومة أيديولوجية، والشراكة التي يمكن تشكيلها دون الدخول في صراع وجودي، والنموذج التنموي الحديث الذي لا يعادي، ولكن يُفاوض بندية.
على هذا الأساس الجديد من إعادة تعريف للجاذبية الاقتصادية، والمدعومة بتصريحات سابقة لفاعلين اقتصاديين أميركيين كبار لا بوصفها مواقف فردية، بل كدلائل على إدراك متنام بأن استقرار الداخل الأميركي بات مشروطا بالشراكة مع المملكة، مثل وصف “دانيال يرجن” – نائب رئيس “إس آند بي جلوبال” – المملكة بأنها عنصر توازن، بينما أكد “جيف كوري” – كبير محللي الطاقة في “جولدمان ساكس” – أن “المملكة تمسك فعليا بمفاتيح [ ] تنعكس مباشرة على الاستقرار المالي في الولايات المتحدة.”
تصريحات كهذه تعكس إدراكا متزايدا لدى النخبة الأميركية بأن الاستقرار الاقتصادي للولايات المتحدة – على المدى القريب والمتوسط – لا بد أن يمر عبر الرياض تحديدا، حيث تتقاطع السيادة والقرار مع القدرة على التنفيذ، وهذا يفسر بحث أعمدة الاقتصاد الأميركي – من الذكاء الصناعي إلى صناديق التمويل إلى الصناعات الدفاعية – عن التموقع في المملكة، التي تملك بنية تحتية سيادية، واستقرارا مؤسسيا، وقدرة على استيعاب الشركات العملاقة ضمن مشروع وطني متماسك.
وهنا تكمن إشارات تحمل دلالات عميقة، فكيانات اقتصادية عالمية ممن استمرأت مبدأ “لا يمكن الاستغناء عنها” في الصناعة والتقنية والأمن، تدرك اليوم أن هناك تحول في المعادلة، فالمملكة لم تعد مجرد شريك محتمل، بل منصة بديلة، وهذا التحول لا يحتاج إعلانا سياسيا، بل يكفي أن يتحول إلى واقع استثماري وتقني ولوجستي.
هذه الزيارة تقول شيئا بسيطا وعميقا، وهو من يريد أن يصيغ مستقبل شركته، أو ينقذ نموذج أعماله من التآكل في الغرب، أو يختبر مشاريع الذكاء الاصطناعي والطاقة النظيفة والسيادة التكنولوجية، فعليه أن يمر من المملكة، فالمنطق الاقتصادي فيها لم يعد تابعا، بل أصبح مصدرا، والرسالة أوضح من أن تُشرح، فمن لا يكون حاضرا في الرياض، لن يكون مؤثرا في العالم مستقبلا.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال