ترمب من الرياض: التحول السعودي في عيون العالم

في قلب العاصمة الرياض، حيث تلتقي الصحراء بالتكنولوجيا، والتاريخ بالمستقبل، وقف الرئيس الأمريكي دونالد ترمب منبهرًا أمام حجم التحول الذي شهدته السعودية. ترمب، الذي لا يُعرف بالمجاملات الدبلوماسية، صرّح بانبهار صريح: “هذا التحول الذي حصل تحت قيادة الملك سلمان وولي العهد كان أمرًا مذهلًا، لم نرَ شيئًا بهذا الحجم من قبل”. كلمات لم تكن مجاملة بروتوكولية، بل توصيفًا واقعيًا لما أصبح يُعرف عالميًا بـ”التحول السعودي الحديث”.

الشراكة الاقتصادية بين السعودية وأمريكا ليست جديدة؛ فهي تعود إلى عام 1933، حين تم توقيع أول اتفاقية امتياز للتنقيب عن النفط مع شركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا. وقد امتدت هذه الشراكة اليوم إلى الإعلان عن حزمة استثمارات سعودية في الولايات المتحدة بقيمة 600 مليار دولار، شملت صفقة دفاعية بقيمة 142 مليار دولار، بالإضافة إلى استثمارات في مجالات الطاقة، والذكاء الاصطناعي، والبنية التحتية. ولا غرابة، فالاقتصاد السعودي لم يعد مجرد اقتصاد إقليمي، بل أصبح الأكبر في الشرق الأوسط، وأكبر شريك اقتصادي لأمريكا في المنطقة العربية.

يشهد على ذلك عدد الشركات الأمريكية العاملة في السعودية، والذي يبلغ نحو 1300 شركة، منها 200 شركة اختارت السعودية مقرًا إقليميًا، للاستفادة من البيئة الاقتصادية المتطورة، والبنية التحتية الرقمية، وفرص الاستثمار الواسعة. وتمثل هذه الشركات ما يقارب ربع حجم الاستثمار الأجنبي المباشر في المملكة.

من أبرز ملامح هذا التحول، نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي بنسبة 3.9% في عام 2024، حيث تجاوزت مساهمة القطاعات غير النفطية 51% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أعلى مستوى منذ إطلاق رؤية 2030. كما ارتفعت الصادرات غير النفطية إلى 82 مليار دولار في العام نفسه، مما يعكس نجاح المملكة في تعزيز صناعاتها المحلية.

صندوق الاستثمارات العامة السعودي، أحد أكبر الصناديق السيادية عالميًا، تجاوزت أصوله 3.53 تريليون ريال في عام 2024، متجاوزًا المستهدف البالغ 3.3 تريليون ريال. ويُقدر أن نحو 40% من استثمارات الصندوق العالمية موجهة إلى الولايات المتحدة، مما يعكس عمق الشراكة الاقتصادية بين البلدين.

في مجال التكنولوجيا، أعلنت شركات أمريكية كبرى مثل Nvidia وAmazon وGoogle عن استثمارات ضخمة في المملكة. فقد التزمت Nvidia بتوفير 18,000 وحدة معالجة رسومات لدعم مشاريع الذكاء الاصطناعي في السعودية، بينما أعلنت Amazon Web Services عن بناء منطقة ذكاء اصطناعي بقيمة 5 مليارات دولار. كما تعهدت Google بدعم صندوق استثماري بقيمة 100 مليون دولار لدعم الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

تعكس هذه التطورات التقدم الذي تحققه المملكة في تنفيذ برامج رؤية 2030، والتي تشمل برنامج تطوير القطاع المالي، وبرنامج التخصيص، وبرنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية، وبرنامج صندوق الاستثمارات العامة، وبرنامج التحول الوطني الذي يركّز على الاقتصاد الرقمي وجذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية.

إلى جانب ذلك، شهد قطاع السياحة نموًا ملحوظًا، حيث ارتفعت الإيرادات السياحية بنسبة 14% لتصل إلى 72 مليار دولار في عام 2024، مع توقعات بنمو إضافي بنسبة 8% في عام 2025. ويعكس هذا النمو نجاح المملكة في جذب السياح عبر تطوير البنية التحتية السياحية وتنظيم فعاليات دولية كبرى مثل استضافة كأس العالم 2034 ومعرض إكسبو 2030.

في خضم هذه التحولات، اختصر الرئيس ترمب المشهد بقوله: “الرياض لم تعد موضعًا حكوميًّا فحسب، بل موضعًا للتكنولوجيا والابتكار والثقافة في العالم”. وأضاف، في كلمته التي أدهشت الحضور: “أنتم تبنون المباني الشاهقة والأكبر في العالم، وهذه المشاريع لم نر مثلها من قبل”، مشيرًا إلى أن “هذا التحول المذهل لم يأتِ من تدخل خارجي، بل من الترحيب بالتقاليد والثقافات”.

تُظهر هذه الإنجازات أن المملكة تسير بخطى ثابتة نحو تحقيق أهداف رؤيتها الطموحة، معززة مكانتها كقوة اقتصادية إقليمية وعالمية، ومؤكدة قدرتها على بناء اقتصاد متنوع ومستدام.