الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تُعد حوكمة البيانات الوطنية عنصراً أساسياً في تحقيق التحول الرقمي وتعزيز الاقتصاد، خصوصاً الاقتصاد القائم على البيانات. إذ تؤدي دوراً جوهرياً في تنظيم إدارة البيانات على المستويين الحكومي والخاص، وضمان حمايتها وتعزيز استخدامها بشكل فعّال. وفي ظل التوسع السريع في كمية البيانات نتيجة التحول الرقمي المتسارع، أصبح من الضروري وضع سياسات واضحة تسهم في حماية البيانات الشخصية والحكومية وتعزز الشفافية وتحسن تبادل البيانات بين مختلف الجهات الحكومية وشبه الحكومية.
لا يقتصر تطوير أطر حوكمة البيانات على مجرد الامتثال للأنظمة والتشريعات، بل يتجاوز ذلك ليشمل تعزيز الابتكار ودعم اتخاذ القرارات الاستراتيجية وتمكين الاقتصاد الوطني من الاستفادة القصوى من البيانات كمورد اقتصادي حيوي. ورغم الجهود المبذولة في المملكة لتنظيم وإدارة البيانات الوطنية، إلا أن هناك عدداً من التحديات التي لا تزال قائمة وتُعيق الاستفادة الكاملة من هذا المورد الاستراتيجي المهم.
ومن أبرز هذه التحديات ضعف التنسيق بين الجهات الحكومية، مما يؤدي إلى تكرار البيانات وصعوبة الوصول إلى مصادر موحدة للمعلومات. كما يشكل نقص الامتثال لمعايير حماية البيانات الشخصية والأمن السيبراني تحدياً كبيراً، لا سيما في ظل تصاعد الهجمات الإلكترونية التي تستهدف الأنظمة الحكومية. إضافة إلى ذلك، فإن غياب سياسات متكاملة للبيانات المفتوحة يحد من إمكانية استخدامها لدعم البحث العلمي والابتكار، ويحرم القطاعين العام والخاص من فرص تحسين الأداء واتخاذ قرارات قائمة على بيانات دقيقة.
ولمواجهة هذه التحديات، تحتاج المملكة إلى تبني إطار تنظيمي قوي لحوكمة البيانات، يعتمد على أفضل الممارسات العالمية. ويمكن تحقيق ذلك من خلال دمج عدة نماذج تنظيمية تضمن الاستفادة المثلى من البيانات، مثل إنشاء هيئة وطنية مستقلة لحوكمة البيانات تكون مسؤولة عن الإشراف على الامتثال للسياسات والمعايير التنظيمية. كما يمكن اعتماد نموذج حوكمة لامركزي يوزع المسؤوليات على الوزارات والجهات الحكومية المختلفة لضمان المرونة والكفاءة في تنفيذ السياسات، مع تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص للاستفادة من خبراته في تطوير البنية التحتية الرقمية وإدارة البيانات بطريقة أكثر تطوراً، من خلال نماذج آمنة وفعّالة لتبادل البيانات المختارة.
ولتحقيق هذه الأهداف، من الضروري تطوير بنية تحتية تقنية قوية تدعم حماية البيانات، وتعزيز الاستثمار في أمن المعلومات والذكاء الاصطناعي لضمان الاستخدام الأمثل للبيانات. كما ينبغي إطلاق برامج توعوية وتدريبية تستهدف منسوبي الجهات الحكومية والقطاع الخاص، لضمان فهم موحد لمتطلبات حوكمة البيانات وأفضل ممارساتها.
إن تأسيس منظومة وطنية متكاملة لحوكمة البيانات ليس مجرد خطوة تقنية، بل هو حجر الأساس لبناء اقتصاد رقمي معرفي مستدام، يعزز من تنافسية المملكة عالمياً، ويضعها في موقع الريادة في مجال التحول الرقمي والابتكار القائم على البيانات.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال