الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
خسارة صندوق الاستثمارات السعودي في كريدي سويس لم تكن مجرد خسارة مالية، بل كشفت عن تغير جذري في البيئة الاستثمارية السويسرية، حيث تجاوزت الحكومة مصالح المستثمرين الأجانب خلال صفقة استحواذ يو بي إس على البنك المنهار، مما أثار تساؤلات حول مدى استقرار النظام المالي السويسري. عندما قرر البنك الأهلي السعودي، المدعوم من صندوق الاستثمارات العامة، استثمار 1.4 مليار فرنك سويسري في زيادة رأسمال كريدي سويس عام 2022، كان الرهان على إعادة إحياء أحد أكبر البنوك السويسرية، لكن بعد عام واحد فقط، انهار البنك وفقد الصندوق السعودي أكثر من 4.6 مليار ريال. رغم أن هذه الخسارة تبدو مؤثرة، إلا أن انعكاساتها الحقيقية لا تتعلق بالصندوق السعودي بقدر ما تتعلق بسويسرا كمركز مالي عالمي، حيث ظهرت هشاشة السوق المالية أمام الأزمات المتلاحقة، ما أثار تخوفًا واسعًا بين المستثمرين الدوليين. إعلان صندوق الاستثمارات العامة أنه لن يستثمر مجددًا في البنوك السويسرية يعكس حجم القلق المتزايد لدى كبار المستثمرين بشأن مستقبل الأسواق المالية في سويسرا.
مع ذلك، يواصل الصندوق السعودي توسعاته العالمية، حيث يدير أصولًا بقيمة 2.87 تريليون ريال، أي نحو 765.6 مليار دولار حتى نهاية 2023، بينما تجاوز حجم محفظته الاستثمارية الدولية 156 مليار دولار موزعة في الأسواق الأمريكية والأوروبية والآسيوية، وهو ما يظهر قوة الصندوق رغم التحديات التي واجهها في كريدي سويس. استثماراته تشمل قطاعات استراتيجية مثل السيارات الكهربائية، حيث يمتلك أكثر من 60% من شركة لوسيد موتورز، إلى جانب قطاع الطيران عبر تأسيس طيران الرياض الذي يهدف لتشغيل رحلات إلى أكثر من 100 وجهة عالمية بحلول 2030، فضلًا عن الدخول بقوة في السوق الهندية باستحواذه على 2.04% من شركة Reliance Retail Ventures Limited بقيمة 1.3 مليار دولار، واستثمارات ضخمة في قطاع العقارات والبنية التحتية بقيمة 233 مليار ريال، أي حوالي 62 مليار دولار. توزيع الاستثمارات على 13 قطاعًا استراتيجيًا يضمن للصندوق التنوع والاستقرار، حيث يأتي قطاع الاتصالات والتقنية بنسبة 25.6%، ثم العقارات بنسبة 23.5%، والخدمات المالية بنسبة 23%، والطاقة المتجددة والمرافق بنسبة 12.4%، والمعادن والتعدين بنسبة 7.5%. هذه الأرقام تعكس أن خسارة كريدي سويس ليست سوى جزء صغير من محفظة ضخمة ومتنوعة، مما يؤكد قوة الصندوق السعودي في الأسواق العالمية، في حين أن تداعيات الأزمة على سويسرا قد تكون أكثر عمقًا، إذ فقدت جاذبيتها لدى المستثمرين الدوليين الذين بدأوا في إعادة النظر في مدى موثوقية بيئتها الاستثمارية. الأزمة تتجاوز الخسارة المالية إلى كونها مؤشرًا على تحول في المشهد الاستثماري العالمي، حيث تتجه رؤوس الأموال نحو بيئات أكثر استقرارًا وضمانًا لحقوق المستثمرين، والصندوق السعودي يبدو أنه يوجه استثماراته نحو هذه الوجهات الجديدة، بينما تواصل سويسرا فقدان مكانتها كمركز مالي عالمي.
ضمان عدم تكرار مثل هذه الخسائر مستقبلًا يتطلب من الصندوق مواصلة تنويع الأسواق والتركيز على الاستثمار في بيئات مالية ذات شفافية عالية، إضافة إلى إجراء تقييم شامل للمخاطر قبل الدخول في أي استثمار، لا سيما في القطاعات المصرفية التي شهدت اضطرابات كبرى. تعزيز الرقابة والحوكمة على الاستثمارات الخارجية أصبح أمرًا بالغ الأهمية لضمان عدم التعرض لمفاجآت غير محسوبة، كما أن الاعتماد على شراكات طويلة الأمد مع مؤسسات مالية قوية والتفاوض الفاعل في عمليات الاستحواذ سيضمن حماية الصندوق من القرارات المفاجئة التي تتجاوز مصالح المستثمرين، مما يعزز استقرار الاستثمارات ويضمن استمرار النمو المستدام للصندوق. خسارة كريدي سويس لم تكن نهاية المطاف، بل درسًا استثماريًا يجب استثماره في تعزيز استراتيجيات الاستثمار وحماية المصالح الاقتصادية، لتظل المملكة لاعبًا رئيسيًا في المشهد المالي الدولي، بتوجيه استثماراتها نحو أسواق أكثر أمانًا واستقرارًا.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال