الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
استكمالًا لمقالنا السابق “تمويل التقاضي محفز لدعم بيئة الأعمال”، نسلّط الضوء في هذا المقال على نموذج تطبيقي واقعي يعكس القيمة الاقتصادية لتمويل التقاضي، من خلال تجربة رائدة لشركة بورفورد كابيتال (Burford Capital)، وهي شركة استثمارية رائدة متخصصة في تمويل الدعاوى القضائية، تعتمد في أرباحها على نتائج القضايا التي تمولها.
في عام 2012م، وبعد الأزمة الاقتصادية الخانقة في الأرجنتين، أقدمت الحكومة الأرجنتينية بإصدار قرار بتأميم عدد من الشركات، ومن أبرزها شركة YPF العاملة في قطاع الطاقة والنفط والغاز، والتي كان لمستثمرين أجانب – خاصة من إسبانيا – حصص رئيسية فيها، وهذا الإجراء دفع المستثمرين للجوء إلى التحكيم الدولي أمام المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار (ICSID)، احتجاجًا على ما اعتبروه مصادرة تعسفية لاستثماراتهم.
هنا برز دور تمويل التقاضي عبر شركة بورفورد كابيتال، التي تولّت تمويل الدعوى بكامل تفاصيلها، عبر تمويل كامل العملية القضائية، بما يشمل رسوم التحكيم، وأتعاب المحامين، وتكاليف الخبراء، والإجراءات اللوجستية. وبمجرد صدور الحكم لصالح المستثمرين، بلغت عوائد بورفورد من هذه الدعوى ما يُقدّر بـ 4.5 مليار دولار، ما شكّل إحدى أنجح صفقاتها على الإطلاق.
وفي هذا المثال الواقعي يبرز الأثر الاقتصادي لتمويل التقاضي من عدة زوايا:
ويُظهر هذا النموذج القيمة المضافة لتمويل التقاضي، حيث استطاع المستثمرون استرداد حقوقهم دون تحمل أي أعباء مالية مقدّمة، بينما حافظت YPF على مكانتها كأصل اقتصادي منتج، وحققت بورفورد عوائد تفوق متوسط عوائد الاستثمار في القطاع المالي التقليدي.
ورغم أن حجم السوق العالمي لتمويل التقاضي تجاوز 25 مليار دولار في عام 2025، ومن المتوقع أن يصل إلى 50 مليار دولار بحلول 2030، إلا أن هذا النمو يتطلب مواكبة تنظيمية متقدمة، وتطوير أدوات تقييم المخاطر القانونية والمالية المرتبطة بكل دعوى ممولة.
وقد بادرت أبوظبي في عام 2019 بإصدار أول تشريع في المنطقة لتنظيم تمويل التقاضي عبر محاكم سوق أبوظبي العالمي، لتلحق بركب الدول الرائدة مثل:
1- أستراليا التي تُعد الأسبق في تبني النموذج.
2- والولايات المتحدة التي تُمثل السوق الأكبر من حيث الحجم.
3- بينما تُعتبر المملكة المتحدة الأكثر تقدمًا من حيث التنظيم القانوني، حيث باتت مركزًا عالميًا لعقد اتفاقيات تمويل التقاضي، وجذبت شركات أمريكية وأسترالية لافتتاح مكاتبها في لندن.
وفي ضوء التوسع المتسارع في قطاع الأعمال بالمملكة العربية السعودية، ولأن تمويل التقاضي ليس فقط أداة لتغطية النفقات القانونية، بل يُعد قناة استثمارية استراتيجية قادرة على تحويل النزاعات إلى أصول ذات قيمة اقتصادية، خاصة في بيئات تنظيمية مرنة ومواكبة كالتي تطمح المملكة إلى تطويرها، تبدو الحاجة مُلحّة لتطوير إطار تنظيمي يُمكّن شركات التمويل والمحامين والمستثمرين من دخول هذا المجال وفق ضوابط تكفل الشفافية وحماية جميع الأطراف، ونوصي بأن يتولى برنامج تطوير القطاع المالي، بالتعاون مع البنك المركزي وهيئة السوق المالية، دراسة نماذج التمويل القضائي العالمية لوضع أطر تنظيمية سعودية تحفّز القطاع الخاص على الاستثمار في هذا المجال الواعد.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال