الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في أحد الصباحات، فتحت تطبيقًا حكوميًا لإنهاء معاملة بسيطة. تنقلت بين الصفحات، نقرت هنا وهناك، وكلما ظننت أنني اقتربت من الحل، وجدتني أعود إلى نقطة البداية. بعد دقائق من المحاولة، أغلقت التطبيق دون إنجاز. الموقف تكرر لاحقًا مع متجر إلكتروني، لكنني هذه المرة لم أضيع وقتي، انتقلت إلى منافس له، وأنهيت طلبي في أقل من دقيقتين. وما أعتقده هو أن هذه التجربة ليست غريبة عليك. كم مرة استخدمت تطبيقًا ثم خرجت منه خلال لحظات لأنك لم تعرف كيف تتعامل معه؟ المسألة تتجاوز التطبيقات الحكومية أو التجارية؛ إنها ترتبط بشيء أكبر: كيف يشعر المستخدم أثناء استخدامه لأي منتج أو خدمة.
لم تعد المسألة متعلقة فقط بجودة ما نبيعه أو نوع الخدمة التي نقدمها. في هذا الزمن، بات السؤال الحقيقي: كيف نُقدّم هذه الخدمة؟ هنا تظهر تجربة المستخدم كعامل حاسم. ليست مجرد أزرار أنيقة أو تصميم مريح للعين، بل هي الانطباع الكامل، والشعور الذي يرافق المستخدم في كل خطوة، منذ لحظة التفاعل الأولى وحتى النهاية. قد تكون الخدمة ممتازة من حيث المضمون، لكن إن لم يكن الوصول إليها سهلاً، فلن تُستخدم ببساطة. المستخدم لا يهمه ما يجري خلف الشاشة من برمجة أو تفاصيل تقنية، بل يريد فقط أن يفهم بسرعة، أن يجد ما يبحث عنه دون تعقيد أو تردد.
واللافت أن بعض الجهات لا تزال تتعامل مع تجربة المستخدم كترف أو أمر يمكن تأجيله، وخصوصًا حين تضيق الميزانيات. لكن الواقع أثبت أن العكس هو الصحيح. النجاحات التي نراها اليوم، خصوصًا في بعض المنصات الحكومية، لم تأتِ من فراغ. خذ على سبيل المثال “أبشر”. من كان يتعامل مع المنصة قبل سنوات، سيدرك التحول الكبير الذي طرأ عليها. لم تكن البداية مثالية، لكن مع الوقت والتطوير والتجاوب مع احتياجات الناس، تحسّنت التجربة بشكل واضح. أصبح التنقل أسهل، والوصول إلى الخدمات أسرع، وهذا لم يحدث بالمصادفة، بل بفعل إدراك حقيقي أن المستخدم هو الجوهر.
في زمن السرعة والزحام الرقمي، لم يعد المستخدم مستعدًا لتحمّل تطبيقات معقدة أو مواقع تحتاج جهدًا لفهمها. الانطباع الأول هو الحاسم، وإن لم تكن التجربة واضحة وسلسة منذ اللحظة الأولى، سيغادر بصمت. لا تعنيه كثرة المزايا أو التقنيات الحديثة، بل أن يشعر بأن الخدمة مفهومة، مصممة بأسلوب يشبهه، وتلبي احتياجه ببساطة. هذا هو جوهر الذكاء في التصميم.
التحول الرقمي الحقيقي لا يعني إطلاق تطبيقات أكثر، بل أنسنة هذه التطبيقات. أن نشعر بمن يستخدمها، أن نعرف ما الذي يربكه، ومتى يقرر المغادرة. أن نكون حاضرين معه، حتى لو لم نره. وفي النهاية، كل ما يريده المستخدم هو البساطة. لا يبحث عن الإبهار، بل عن تجربة تشعره أن هذه التقنية خُلقت لأجله، لا ضده.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال