الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
قراءة سلوكية في العادات اليومية وجدواها في ميزانية العمر
نعيش اليوم، ونحسب أننا نعيش العمر.
نركض بين المهام، ونظن أننا نصنع أثرًا.
لكن قليلًا ما نسأل أنفسنا: كم من هذا اليوم كان عائدًا؟ وكم كان فقط استهلاكًا؟
الاقتصاد السلوكي يعلّمنا أن الإنسان لا يتصرف دائمًا بما يخدم مصلحته، ولا يدير يومه كما يدير ثروته.
هناك سلوكيات نمارسها كل يوم بلا تفكير؛ بعضها مفيد، وأكثرها بلا عائد حقيقي.
وهذا ما يسميه علماء السلوك: “الانشغال الوهمي” أو “الاستجابة العشوائية للمحفزات”.
فلنقسّم يومك:
من لحظة يقظتك إلى لحظة نومك، كم سلوكًا فعلته:
– لأنك تحتاجه فعلاً؟
– لأنه يحقق لك تقدمًا، أو تعلمًا، أو راحة حقيقية؟
– أو فقط لأنك معتاد عليه، أو لأن غيرك يفعله، أو لأن الهاتف أمامك؟
تشير الدراسات إلى أن 60-70% من سلوكياتنا اليومية لا تعود علينا بفائدة مباشرة،
بل هي استهلاك للوقت والانتباه والطاقة دون مقابل ملموس:
– تصفّح لا واعٍ،
– أحاديث بلا معنى،
– تردد في القرار،
– تأجيل بلا سبب،
كلها تُخصم من رصيد “اليوم” دون أن تضيف لرصيد “العمر”.
والأخطر من ذلك، أن هذه السلوكيات تتحوّل مع الوقت إلى عادات مألوفة، ثم إلى أنماط اجتماعية موروثة،
تتناقلها الأجيال وكأنها جزء من الهوية، رغم أنها تدفع بالفرد والمجتمع نحو المسار المنحدر.
عادات مثل الاستهانة بالوقت، أو مقاومة التغيير، أو انتظار الحل من الخارج، لا تؤثر على يوم الشخص فقط،
بل ترسّخ اقتصادًا هشًا قائمًا على التواكل، وتقلل من فرص النهوض الفردي والجماعي.
فالعادة حين تفقد الوعي تصبح عبئًا، وحين تتوارث دون مراجعة تصبح خطرًا مركبًا.
وإذا نظرنا على مستوى الدول، نجد أن الفارق بين “الانشغال” و”الإنتاج الحقيقي” لا يقتصر على الأفراد، بل ينعكس على مؤشرات كبرى مثل البطالة.
الصين مثلًا، ورغم عدد سكانها الهائل، استطاعت أن تقلّص معدلات البطالة الرسمية إلى ما دون 6% في كثير من السنوات، ليس فقط عبر توفير وظائف، بل عبر تعزيز ثقافة السلوك المنتج على المستوى الفردي والتعليمي والمجتمعي.
فمنذ عقود، بدأت الصين تبني مفهوم “قيمة الفعل” كمعيار للتعليم والعمل، فربطت بين الأداء الفردي والنهضة الوطنية، وأطلقت برامج تربط السلوك المدرسي بمؤشرات التنمية، ووسّعت نطاق المشاركة الاقتصادية خارج الإطار التقليدي للوظائف، فظهر عندهم ما يمكن تسميته: “اقتصاد المبادرة اليومية”.
ولم تنظر الصين إلى كثافة السكان كعبء اقتصادي، بل كمورد بشري هائل يمكن تحويله إلى طاقة منتجة إذا تم توجيه السلوك العام نحو الفعل المجدي والانضباط الذاتي.
لكن المفارقة السلوكية ظهرت حين بدأت تشعر بالحرج من نتائج سياسة تحديد النسل الصارمة، التي قلبت هرمها السكاني وجعلت نسبة كبار السن ترتفع بشكل حاد، لتجد نفسها مطالبة اليوم بإعادة توازن ديمغرافي كانت قد قيّدته سابقًا بقرارات قصيرة النظر.
ولعل من أهم أسباب قفزتها إلى صدارة العالم هي هذه الثقافة الاستراتيجية التي أصبحت جزءًا من كل سياسة، حيث لم تعد الجهود تُقاس بالزحام أو الإنفاق، بل بما يُضيفه كل سلوك في مسار التقدم.
فما هو السلوك ذو العائد؟
هو كل فعل يضيف لك أو لغيرك:
معرفة، راحة نفس، صحة، مال، علاقة قوية، أو حتى فكرة تستحق أن تعيش.
وقد يكون بسيطًا جدًا: تنظيم فكرة، تأمل صادق، أو تمرين خفيف.
الخلاصة؟
لسنا مطالبين بأن نكون آلات إنتاج،
لكننا مسؤولون عن ألا نحيا أيامًا تستهلكنا أكثر مما تنفعنا.
الوعي بالسلوك هو أول خطوة نحو يومٍ له عائد.
وسؤال لك:
لو طُلب منك أن تختار “سلوكًا واحدًا فقط” تكرّره يوميًا ولا يعود عليك، فما هو؟
وهل تفكر في استبداله؟
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال