الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
كنّا نستمع بشغف، مصحوب بحماس الشباب وطموحهم، لمحاضرات البروفيسور أحمد القرني في مادة “مقدمة في علم الطيران” خلال السنة الأخيرة في قسم الهندسة الميكانيكية بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن. كنا نتخيل، بذلك الحلم الجامح الذي يتملك الطلاب، أننا سنتمكن بعد التخرج من تصميم طائرة حربية سعودية متطورة بمجرد دراسة بعض المواد الأكاديمية، ولم ندرك أن الصناعة هي سر تفوق الأمم إلا بعد خوض غمار العمل . البروفيسور أحمد بن ظافر القرني، رئيس ومؤسس برنامج هندسة الطيران والفضاء في الجامعة، والحاصل على وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الممتازة، يُعد أول سعودي وعربي يحصل على أربع شهادات متخصصة في هذا المجال من جامعات مرموقة. كما عمل مع وكالة ناسا في معهد الطيران والفضاء الأمريكي، وهو عضو فيه منذ أكثر من عقدين.
أعادت إليّ الذاكرة تلك التفاصيل الاكاديمية وأنا أتابع المنافسة التقنية الأخيرة بين الطائرات الصينية–الباكستانية من نوع ( جي إف-17 ثاندر ) ونظيرتها الفرنسية ( رافال، حيث تفوقت الأولى بأداء مثير للإعجاب بعدما اسقطت بسرعة خاطفة خمس طائرات تعد فخر الصناعة العسكرية الفرنسية.
هذه المنافسة بين تقنيات الطيران الآسيوية والأوروبية تذكرنا بما حدث خلال الحرب العالمية الثانية بين القوات الجوية الأمريكية واليابانية. فمن يتابع الأفلام الوثائقية عن معارك بيرل هاربر ، وميدواي يلاحظ التفوق الكبير الذي حققته طائرات ( زيرو ) اليابانية في بداية الحرب، والتي صممتها شركة ميتسوبيشي لتلبية متطلبات البحرية الإمبراطورية. تميزت تلك الطائرات بخفة وزنها وسرعتها الفائقة، مما جعلها سلاحاً فتاكاً في المعارك الجوية، رغم ما واجهته لاحقاً من تحديات مع تطور الأسلحة المضادة.
في عالمنا اليوم، حيث يتسارع التقدم التكنولوجي العسكري، برزت الصين كقوة صاعدة في الصناعات الدفاعية، وقادرة على تطوير مقاتلات تنافس بل وتتفوق أحياناً على نظيراتها الغربية. خير مثال على ذلك هو نجاح الطائرة جي إف-17 ثاندر في سلاح الجو الباكستاني أمام الطائرات الفرنسية رافال التي تستخدمها الهند، مما أثار تساؤلات حول سرّ هذا التفوق.
ثاندر هي ثمرة تعاون بين الصين وباكستان، حيث بدأ المشروع في تسعينيات القرن الماضي بهدف إنتاج مقاتلة متعددة المهام بتكلفة معقولة. من الناحية التصميمية، تتميز هذه الطائرة بهيكل خفيف يعتمد على المواد المركبة، مما يعزز قدرتها على المناورة، بالإضافة إلى ديناميكية هوائية تقلل مقاومة الهواء. كما تمتلك محركاً قوياً مع استهلاك وقود متوازن، مما يمنحها كفاءة عالية في الأداء.
في مجال أنظمة الرادار والحرب الإلكترونية، تتمتع ثاندر برادار متطور قادر على تتبع أهداف متعددة بدقة، فضلاً عن أنظمة تشويش إلكتروني تزيد من فرصها في النجاة خلال المعارك. كما أنها تحمل مجموعة متنوعة من الصواريخ بعيدة المدى، التي تفوق نظيراتها الأوروبية من حيث المدى والدقة.
أما من ناحية التكلفة، فإن الفارق بين الطائرتين كبير جداً؛ حيث تصل تكلفة رافال إلى نحو 240 مليون دولار، بينما لا تتجاوز تكلفة ثاندر 35 مليون دولار. هذا يعني إمكانية نشر أعداد أكبر من الطائرات الصينية–الباكستانية بنفس الميزانية، مما يعطي تفوقاً استراتيجياً.
بالإضافة إلى ذلك، فإن اعتماد رافال على التكنولوجيا الغربية يجعلها عرضة للعقوبات أو تقييد التصدير، كما حدث عندما هددت فرنسا بوقف تسليمها إلى الهند لأسباب سياسية. في المقابل، تعتمد ثاندر على مكونات صينية بالكامل، مما يضمن استقلاليتها.
الصين، بعكس اليابان في الأربعينيات، لم تعتمد على تفوق مؤقت، بل واصلت التطوير المستمر لطائراتها. فكل جيل جديد من ثاندر يشهد تحسينات كبيرة، كما أن الاستثمار في الحرب الإلكترونية والذكاء الاصطناعي يعزز قدراتها. علاوة على ذلك، تمتلك الصين أسطولاً متنوعاً من المقاتلات مثل جي -10 وجي -20 الشبحية، مما يمنحها مرونة في المواجهات المحتملة.
اليوم، تشكل الطائرات الصينية تحدياً حقيقياً للهيمنة الغربية في مجال القوة الجوية، فبعد عقود من السيطرة الغربية على الأسواق، تثبت الصين أنها قادرة ليس فقط على المنافسة، بل أيضاً على الريادة في مجالات مثل التخفي الراداري.
الدروس المستفادة من التجربتين اليابانية والصينية تؤكد أن توطين الصناعة، وخاصة الدفاعية، هو أمر حيوي مصيري لا غنى عنه، كما أن الاستثمار في البحث والتطوير يضمن التفوق المستدام، بينما تُعد تقنيات الثورة الصناعية الرابعة والخامسة عاملاً حاسماً في تطوير الصناعة العسكرية والمدنية على حد سواء.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال