الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يعد الشمول المالي أحد العوامل الأساسية التي تساهم في تحقيق نمو اقتصادي مستدام. يُعرف الشمول المالي على أنه إتاحة الخدمات المالية لجميع الأفراد والشركات، بغض النظر عن وضعهم الاقتصادي، مما يضمن وصولهم إلى منتجات مالية مثل الحسابات المصرفية، القروض، التأمين، والمدفوعات الرقمية بطريقة آمنة ومنخفضة التكلفة. يهدف هذا المفهوم إلى تقليل الفجوة الاقتصادية وتعزيز الاستقرار المالي، حيث يمكن للأفراد تحقيق إدارة مالية أكثر كفاءة، وللشركات الوصول إلى التمويل اللازم للنمو.
أما التقنية المالية (Fintech) فهي القوة المحركة للابتكار في القطاع المالي، إذ تعتمد على التقنية الحديثة لتحسين الخدمات المالية وجعلها أكثر سهولة وفعالية. تشمل هذه الابتكارات تطبيقات الدفع الإلكتروني، التمويل الجماعي، التحليلات المالية بالذكاء الاصطناعي، وتقنيات البلوك تشين. تساعد التقنية المالية في خفض التكاليف، وتبسيط العمليات المالية، وزيادة الكفاءة، مما يسهم في جعل الخدمات المالية أكثر شمولية وسهولة للأفراد والشركات على حدٍ سواء. وقد أصبحت هذه الأدوات متاحة حتى لغير المتعاملين مع البنوك، مما ساعد على دمج فئات واسعة من المجتمع ضمن النظام المالي الرسمي.
مع تطور هذه المفاهيم، باتت المؤسسات المالية والحكومات تولي أهمية كبرى لهما، مما يجعل الشمول المالي والتقنية المالية عنصرين أساسيين في تشكيل مستقبل الاقتصاد. أحد برامج رؤية المملكة 2030 برنامج تطوير القطاع المالي والذي يهدف الى تنويع مصادر الدخل وزيادة ثقافة الادخار، وتعدد طرق التمويل ومشاريع الاستثمار، ويلعب دورًا أساسيًّا ومهما في تحويل القطاع المالي السعودي إلى مركز قوة للنمو والتنوع الاقتصادي، من خلال إنشاء قطاع مالي حيوي وفعال.
تم إطلاق برنامج تطوير القطاع المالي في عام 2018 بهدف تعزيز قوة وكفاءة المؤسسات المالية السعودية، وتطوير السوق المالية لتصبح ذات طابع عالمي. ويشمل البرنامج عدة قطاعات رئيسية منها البنوك، التأمين، أسواق الأسهم، وأسواق الدين، حيث يعمل البرنامج على تحسين الأداء المالي وتعزيز الشفافية. ويركز على تحديث القوانين واللوائح لضمان أعلى معايير الكفاءة والفاعلية، بما يحقق الفائدة لشركات ومؤسسات القطاع المالي، ويعزز مشاركة جميع الأطراف المعنية في النظام المالي السعودي، مما يسهم في تحقيق الاستقرار والنمو المستدام للقطاع. ولم يغفل البرنامج عن التطورات التكنولوجية المتسارعة في المجال المالي بل اطلاق استراتيجية التقنية المالية وضمها كإحدى ركائز البرنامج.
أصبحت التقنية المالية عاملاً حيويًا في تطوير الأنظمة المالية وتعزيز الشمول المالي، لا سيما في الدول النامية والاقتصادات الناشئة. فقد أحدثت هذه التقنية نقلة نوعية في كيفية تعامل الأفراد والشركات مع الأموال والخدمات المصرفية، مما فتح آفاقًا جديدة لتوسيع الوصول إلى الخدمات المالية وجعلها أكثر شمولاً وفعالية. وأهميته لا تقتصر على المستفيدين من أفراد أو منشآت فقط، بل تنعكس أيضًا على الاقتصاد ككل من خلال تقليل الاعتماد على النقد، وزيادة الادخار، وتحفيز النمو الاقتصادي، وخلق فرص عمل جديدة، وتعزيز الاستقرار المالي.
وتوفر التقنية المالية مجموعة متنوعة من الأدوات والوسائل التي تسهم بشكل فعال في تعزيز الشمول المالي، إذ تمكن شرائح أكبر من المجتمع من الوصول إلى الخدمات المالية بسهولة ومرونة، مع تقديم بدائل رقمية ميسّرة تغني عن النظم المصرفية التقليدية. تسهم هذه الابتكارات في توسيع دائرة الاستفادة من الخدمات المالية، ودعم النشاط الاقتصادي من خلال إتاحة فرص جديدة للأفراد والمشاريع الصغيرة، مما يجعل من التقنية المالية عنصرًا أساسيًا في بناء نظام مالي أكثر شمولًا وعدالة. وفيما يلي استعراض لأبرز هذه الأدوات والوسائل:
المحافظ الإلكترونية (E-Wallets) وهي تطبيقات إلكترونية تستخدم لتخزين الأموال وإجراء المعاملات المالية مثل المدفوعات والتحويلات بسهولة عبر الهاتف المحمول أو الإنترنت، دون الحاجة إلى حساب بنكي تقليدي. وهي من أبرز أدوات التكنولوجيا المالية التي ساهمت بشكل ملموس في تعزيز الشمول المالي.
منصات الادخار الرقمي (Digital Savings) هي تطبيقات وخدمات مالية تعتمد على التكنولوجيا لمساعدة الأفراد على الادخار بطريقة ميسّرة، ذكية، وآلية، وتشجع ثقافة الادخار. وتعد هذه المنصات من أهم أدوات التكنولوجيا المالية التي تسهم في تعزيز الشمول المالي، خاصة بين الشباب والفئات ذات الدخل المحدود.
التمويل من نظير إلى نظير (peer-to-peer lending) هو نموذج تمويلي يستخدم منصات إلكترونية تربط مباشرة بين المقرضين والمقترضين دون الحاجة إلى وسيط تقليدي مثل البنوك. وهي تساعد الأفراد الذين لا يملكون ضمانات كافية أو سجل ائتماني تقليدي الحصول على قروض وبشروط تمويلية مرنة.
أنظمة الدفع الإلكتروني (E- Payment Systems) هي حلول تقنية تتيح للأفراد والشركات إجراء المعاملات المالية عبر الإنترنت بطريقة سريعة وآمنة، دون الحاجة إلى استخدام النقد أو زيارة الفروع المصرفية. تعتمد هذه الأنظمة على بوابات الدفع الإلكتروني التي تعمل كوسيط بين العملاء والبنوك لمعالجة المدفوعات الرقمية بسهولة
المستشار الآلي (Robo-Advisory) وهو نظام استثماري يعتمد على الخوارزميات الذكية لتقديم استشارات مالية وإدارة المحافظ الاستثمارية بأقل تدخل بشري. يهدف هذا النظام إلى تبسيط عمليات الاستثمار، حيث يقوم بتحليل البيانات المالية، وتقييم المخاطر، واقتراح استراتيجيات استثمارية مخصصة لكل مستخدم بناءً على أهدافه المالية.
التمويل الجماعي (Crowdfunding) وهي منصات إلكترونية تسمح بجمع التمويل من الجمهور لدعم المشاريع. وتوفر بديلاً لتمويل المشاريع الصغيرة التي قد ترفضها البنوك.
ويعمل البنك المركزي السعودي “ساما” على رفع مستوى الشمول المالي في المملكة كأحد أهدافه الاستراتيجية الذي يسعى لتحقيقها بما يتوافق مع رؤية المملكة 2030 وبرامجها التنفيذية، وذلك من خلال إتاحة وصول الأفراد والمنشآت إلى الخدمات والمنتجات المالية المرخصة وإدماجهم في النظام المالي الرسمي وضمان حماية العملاء والإشراف على عدالة التعاملات وشفافيتها بين الأطراف المتعاملة. وقد أطلق البنك المركزي السعودي بيئة تجريبية تنظيمية (Sandbox) تهدف إلى دراسة تأثير التقنيات المالية الحديثة على السوق المالي في المملكة. وتتيح هذه البيئة اختبار الحلول الرقمية ضمن إطار تنظيمي يسمح بتجربة الابتكارات في بيئة واقعية قبل طرحها رسميا.
في الختام، تعد التقنية المالية أداة فعالة ومحورية في تعزيز الشمول المالي، حيث توفر حلولا مبتكرة تمكن الأفراد والمشاريع الصغيرة من الوصول إلى الخدمات المالية بسهولة وكفاءة وبأقل التكاليف. ومن خلال الأدوات والتطبيقات الرقمية المتنوعة، تسهم في تقليص الفجوة المالية وفتح آفاق جديدة للنمو والتمكين الاقتصادي في المجتمعات كافة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال