الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في نسيج الاقتصاد الوطني، هناك خيوط ذهبية غالبًا ما تغيب عن الأنظار، لكنها تحمل في طياتها قوة كامنة وإمكانات هائلة. إنها حكاية الأسر المنتجة، تلك الخلايا الحيوية التي تنبض بالإبداع والعمل الجاد، وتسهم بصمت في تعزيز التنمية المستدامة. وبينما نستلهم من تجارب عالمية رائدة، كالصين في دعم صناعاتها الخفيفة، نكتشف أن المملكة العربية السعودية تمتلك بالفعل كنزًا ثمينًا ينتظر التمكين والاحتفاء: قطاع الأسر المنتجة. رحلة استكشاف تبدأ بأرقام تتجاوز التوقعات، وتطلعات ترسم ملامح مستقبل اقتصادي أكثر شمولية.
شكلت الصناعات الخفيفة على مدى عقود محركًا اقتصاديًا هائلاً للصين، حيث استطاعت من خلالها تحريك ملايين الأيدي العاملة، وتوفير الدخل لشريحة واسعة من الأسر، وتحقيق قفزات نوعية في حجم الصادرات. وبالنظر إلى الإمكانيات الكامنة في المملكة العربية السعودية، من وجود قاعدة استهلاكية كبيرة، وتوجه نحو تنويع مصادر الدخل، وتنامي قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة، يصبح استنساخ جوانب من التجربة الصينية في دعم الصناعات الخفيفة خيارًا استراتيجيًا واعدًا لتحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية طموحة.
يمتلك قطاع الصناعات الخفيفة في المملكة القدرة على تحقيق فوائد جمة، أبرزها توفير فرص عمل واسعة، وتمكين الأسر وزيادة الدخل، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتلبية الاحتياجات المحلية وتقليل الاعتماد على الاستيراد، وتحفيز النمو الاقتصادي غير النفطي، وتعزيز الهوية الوطنية والمنتجات المحلية.
تتجلى الأهمية المتزايدة لهذا القطاع في الأرقام والإحصائيات الحديثة، حيث تجاوزت مبيعات الأسر المنتجة السعودية المدعومة من بنك التنمية الاجتماعية 13 مليار ريال خلال عام 2022، مما يعكس حجم النشاط الاقتصادي الهام الذي يمثله هذا القطاع. وبحسب “التقرير السنوي لبرنامج التحول الوطني”، فقد بلغ عدد العاملين في قطاع الأسر المنتجة 104 آلاف عامل، حصلوا على أكثر من 2 مليار ريال تمويل حكومي، مما يؤكد على الدور الحكومي المتزايد في دعم وتمكين هذه الأسر. وقد أطلق بنك التنمية الاجتماعية مبادرة (#خلها_منهم) بهدف دعم وتسويق منتجات الأسر المنتجة المدعومة، وإبراز إسهاماتها المتنوعة ومجالات عملها التي تساهم في خلق مجتمع حيوي ومنتج. تركز المبادرة على تنوع المسارات المهنية والحرفية، وتؤكد على الدور الهام للأسر المنتجة في تنمية وتطوير المنتجات المحلية، مع العمل على نشر الوعي بتخصصاتها النوعية وتعزيز جودتها بوصفها ذات طابع مختلف وثقافة محلية.
لتحقيق النهضة المنشودة في قطاع الصناعات الخفيفة، يبرز الدور الحيوي لهيئة الحرف والمهن اليدوية وهيئة المنشآت الصغيرة “منشآت” وبنك التنمية الاجتماعية. تقع على عاتق هيئة الحرف والمهن اليدوية مسؤولية كبرى في رعاية وتنمية الحرف اليدوية والمهن الأصيلة، التي تمثل جزءًا هامًا من الصناعات الخفيفة ذات البعد الثقافي والتراثي.
يجب أن تعمل الهيئة على تقديم الدعم الفني والتدريبي والتسويقي للحرفيين والأسر المنتجة، وتسهيل حصولهم على المواد الخام عالية الجودة، والمساهمة في تنظيم المعارض والفعاليات لترويج منتجاتهم. بينما تلعب “منشآت” دورًا محوريًا في تمكين رواد الأعمال وأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة العاملين في قطاع الصناعات الخفيفة، اذ يجب أن تقدم برامج متخصصة لدعم هذه المشاريع في مراحل التأسيس والنمو، وتوفير الإرشاد والتوجيه، وتسهيل الوصول إلى التمويل، وربطهم بالأسواق. أما بنك التنمية الاجتماعية، فيمثل رافدًا ماليًا هامًا لدعم الأفراد والأسر الراغبة في دخول مجال الصناعات الخفيفة، سواء كانت حرفية أو منزلية أو مشاريع صغيرة، ويتعين عليه تطوير برامج تمويلية مرنة وميسرة تتناسب مع احتياجات هذه الفئة، وتقديم الدعم غير المالي مثل التدريب والتأهيل لمساعدتهم على تحقيق النجاح والاستدامة.
لتحقيق الاستفادة القصوى من إمكانيات الصناعات الخفيفة في المملكة، يمكن تبني مجموعة من الاستراتيجيات المستوحاة من التجربة الصينية، مع تفعيل دور الهيئات الداعمة من خلال تنسيق جهود هيئة الحرف والمهن اليدوية و “منشآت” وبنك التنمية الاجتماعية لوضع استراتيجية وطنية واضحة، وتوفير الدعم الحكومي المستهدف عبر برامج مشتركة، وإنشاء مناطق وحاضنات صناعية متخصصة بتعاون “منشآت” مع القطاع الخاص وتوفير برامج دعم خاصة من هيئة الحرف، ودعم التسويق والترويج للمنتجات المحلية بمبادرات مشتركة، وتسهيل الوصول إلى الأسواق الرقمية بتقديم الدعم والتدريب وربط الأسر المنتجة والمنشآت الصغيرة بالمنصات الرقمية، وتطوير المعايير والجودة بتعاون هيئة الحرف و “منشآت”، وتشجيع الابتكار وريادة الأعمال بتقديم برامج مشتركة وتمويل من بنك التنمية الاجتماعية، وتسهيل إجراءات الترخيص والتأسيس بتنسيق الجهود وتقديم الدعم التوعوي والتسهيلي من “منشآت”.
ختامًا، إن إحياء وتنمية قطاع الصناعات الخفيفة في المملكة العربية السعودية يمثل فرصة استراتيجية متعددة الأوجه، قادرة على تحقيق مكاسب اقتصادية واجتماعية ملموسة. ولتحويل هذا الطموح إلى واقع ملموس، يصبح تبني رؤية واضحة وتضافر جهود كافة الجهات المعنية أمرًا حتميًا. بناءً على ما تقدم، نطالب بتفعيل دور تكاملي للهيئات الداعمة، بتعزيز التنسيق والشراكة بين هيئة الحرف والمهن اليدوية، والهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة (“منشآت”)، وبنك التنمية الاجتماعية، لوضع برامج دعم متكاملة وشاملة تلبي احتياجات الصناعات الخفيفة بمختلف أنواعها ومراحل تطورها.
كما ندعو إلى إطلاق مبادرات تحفيزية جريئة تتضمن حوافز مالية مباشرة، وتسهيلات ضريبية وجمركية، وبرامج تمويلية ميسرة من بنك التنمية الاجتماعية، تستهدف بشكل خاص الأسر المنتجة والحرفيين ورواد الأعمال في هذا القطاع. ونؤكد على أهمية الاستثمار في برامج تدريبية متخصصة لتنمية المهارات الحرفية والمهنية، ورفع مستوى جودة الإنتاج، وتمكين العاملين في الصناعات الخفيفة من مواكبة التطورات التقنية ومتطلبات السوق. إضافة إلى ذلك، نطالب بتوفير منصات تسويقية متخصصة، ودعم المشاركة في المعارض المحلية والدولية، وتقديم الدعم اللازم لتبني التجارة الإلكترونية وتسويق المنتجات عبر الإنترنت، وندعو إلى مراجعة وتسهيل الإجراءات المتعلقة بتأسيس وترخيص وتشغيل المنشآت الصغيرة والمتوسطة العاملة في الصناعات الخفيفة، وإزالة أي عقبات بيروقراطية تعيق نموها وتطورها. أخيرًا، نطالب بإطلاق حملات توعية وطنية لتعزيز قيمة المنتج المحلي وتشجيع المستهلكين على دعمه، مما يخلق طلبًا مستدامًا على منتجات الصناعات الخفيفة المحلية. إن الاستجابة لهذه التوصيات وتمكين قطاع الصناعات الخفيفة سيساهم بشكل فعال في تنويع مصادر الدخل الوطني، وتوفير فرص عمل مستدامة، وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة في المملكة العربية السعودية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال