الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في السنوات الأخيرة، تحوّلت “الحوكمة” إلى كلمة رنانة تزيّن تصريحات مسؤولي الرياضية، وتتصدّر تقاريرهم السنوية، وتُكتب بخط عريض في وثائقهم التنظيمية.
لكن السؤال الذي لا يزال معلَّقًا، وربما محرجًا للبعض: هل تُمارَس الحوكمة فعليًا، أم أنها مجرد ورق ناعم يغطّي واقعًا إداريًا مضطرباً وفاسدًا؟
الحوكمة التي تُكتَب ولا تُطبَّق
تمر بعض الأندية الرياضية حول العالم، بمرحلة حرجة تتأرجح بين طموح التحديث وواقعٍ متكلِّس. فعلى الرغم من إعلان بعض الأندية التزامها بـ”مبادئ الحوكمة الرشيدة” من شفافية وعدالة ومساءلة إلا أن الممارسة اليومية تكشف عن نماذج من “الحوكمة الورقية”، حيث تُدوَّن السياسات دون أن تجد طريقها إلى التطبيق، وفي بعض الأحيان ما تتحوّل هذه الوثائق إلى أدوات تجميلية تُستخدم لتمرير قرارات أو تهدئة الانتقادات، دون أي نية فعلية للإصلاح.
تضارب المصالح: الغائب الحاضر
في قلب هذا المشهد، تتفجّر إشكالية تضارب المصالح. و في بعض الحالات نجد رؤساء الأندية أو أعضاء مجالس الإدارة متورطين بشكل مباشر أو عبر واجهات في عقود رعاية، وصفقات لاعبين، ومشاريع استثمارية تستفيد منها شركاتهم أو أقرباؤهم.
السؤال الذي يُطرح هنا: من يراقب هؤلاء؟
بل، هل توجد أصلًا آلية رقابية داخل الأندية تمنع هذا التداخل بين المصلحة الشخصية والمصلحة العامة؟
للأسف، الإجابة تميل إلى النفي في كثير من الحالات.
شفافية بلا مساءلة؟
الشفافية ليست مجرد نشر تقارير مالية على موقع إلكتروني، بل هي عملية متكاملة تتضمن الوضوح، والتفسير، والتواصل الفعّال مع الجماهير، والرعاة، والمجتمع الرياضي.
لكن الواقع يقول إن بعض الأندية تمارس الشفافية كـ”حيلة شكلية”:
تقارير تُنشر بعد فوات الأوان، معلومات مجتزأة أو غير مفهومة، وبيانات تُغرق في الغموض بدلًا من أن توضّح.
الأيزو: شهادة أم التزام؟
في محاولة لإضفاء صبغة “عالمية” على الحوكمة، تتسابق بعض الأندية للحصول على شهادات ISO مثل:
ولكن، كما هو الحال في بعض الشركات الخاصة، تتحوّل هذه الشهادات إلى مجرد “أوسمة إدارية” تُرفع في المناسبات، بينما تظل الممارسات الفعلية بعيدة كل البعد عن الالتزام الحقيقي بالمعايير الدولية.
العقود والخصخصة: مكامن الخلل ومفاتيح الإصلاح
في ظل التوجّه المتسارع نحو خصخصة الأندية الرياضية، تصبح الحوكمة أكثر من مجرد مطلب تنظيمي؛ إنها الأساس الذي يُبنى عليه مستقبل الاستثمار الرياضي. فحين تنتقل ملكية الأندية، أو تُفتح أبوابها لرؤوس الأموال الخاصة، تصبح الحاجة إلى أنظمة رقابية واضحة وشفافة أمرًا غير قابل للتأجيل.
وفي قلب هذه الخصخصة تكمن العقود الرياضية:
عقود اللاعبين، والرعاية، والنقل، والتشغيل، والتسويق.
هذه العقود لا تُدار في فراغ، بل تُصاغ وتُوقّع من قِبل إدارات قد تكون خاضعة لمصالح شخصية أو تفتقر إلى الكفاءة.
هنا يتجلّى الخطر الحقيقي: كيف نضمن أن هذه العقود تخدم مصلحة النادي، لا مصلحة الأطراف المتنفذة فيه؟
ضعف الحوكمة في إدارة العقود يؤدي إلى:
ومع الخصخصة، يصبح كل خطأ في العقد ليس فقط خسارة رياضية، بل خسارة مالية مباشرة للمستثمر، وربما مدخلًا لدعاوى قضائية وتعويضات ضخمة.
ولهذا، فإن تطبيق الحوكمة الصارمة لم يعد خيارًا، بل ضرورة لحماية الاستثمار نفسه.
غياب الحوكمة الفنية… من يحاسب الجهاز الفني؟
ليست الأزمة محصورة في مكاتب الإدارات ومجالس القرار، بل تمتد إلى داخل الملاعب.
ففي بيئة تغيب فيها الحوكمة، يفلت الجهاز الفني من المساءلة، ويُدار الفريق بلا خطة واضحة، ولا تقييم موضوعي للأداء التدريبي.
النتيجة؟
مخالفات متكررة من اللاعبين، انهيار في الانضباط، وسلوكيات غير احترافية.
كثير من هذه الحالات لا تعود بالضرورة إلى “سوء نية” من اللاعبين، بل إلى:
عندما لا يُحاسَب المدرب على الإعداد البدني والتكتيكي، ولا يُسأل عن خططه أو نتائجه، فإن الفوضى تنتقل إلى اللاعبين:
بعضهم يفقد الدافع، وآخرون يتمردون، والبعض يخرج عن النص في غياب المعايير والانضباط.
هنا تظهر مرة أخرى أهمية الحوكمة:
إلى أين من هنا؟
إنقاذ الأندية الرياضية من هذا التحدي لا يتطلب فقط خططًا واستراتيجيات، بل إرادة حقيقية للمساءلة.
الحل يبدأ من:
ختاماً: الأمر لا يقف عند حدود الفشل الإداري، بل يتعداه إلى تقويض مصداقية المؤوسسة الرياضية أمام المستثمرين والرعاة، وإضعاف ثقة الجهات التمويلية، وتهديد سٌمعة النادي أو الشركة المالكة في السوق الرياضي والإعلامي. في زمن يرتبط فيه ضخ الأموال بمدى التزام المؤسسة بالحوكمة، تصبح الشفافية والرقابة ليست خياراً أخلاقياً فقط، بل شرطاً ضرورياً لجذب الاستثمارات طويلة الأمد، وتقليل المخاطر القانونية، وتفادي الغرامات والدعاوى القضائية التي قد تنشأ عن تضارب المصالح أو الفساد.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال