الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
التعريف
في السنوات الأخيرة، تحول الذكاء الاصطناعي من أداة تقنية إلى وسيط معرفي دائم في حياة كثير من الناس. ولم يعد حضوره مقتصرًا على الإجابة عن الأسئلة أو تنظيم المعلومات، بل أصبح شريكًا في القرار، خاصة في مجالات حساسة مثل الاستثمار والأسواق المالية
غير أن هذا التحول، وإن بدا محايدًا، يحمل في طياته آثارًا سلوكية وتراكمية قد تُسهم دون قصد في تشكيل فقاعة مالية نفسية، مدفوعة بزخم غير عقلاني، تُعيد إنتاجيه هذه النماذج باستمرار.
من مساعد إلى مُوجّه غير مرئي
النماذج اللغوية مثل الشات جي بي تي لا تقدم تحليلاً ماليًا تقليديًا كما يفعل الأكاديميون أو
وهي المحللون، لكنها تتمتع بميزة غير مسبوقة
القدرة على التفاعل مع كل فرد على حدة، بلغته، وبطريقة تفكيره، بل أحيانًا بما يناسب مشاعره ومخاوفه وهذه القدرة، رغم ما تحققه من كفاءة في إيصال المعلومة، قد تؤدي إلى أثر جانبي خطيروهو أن يشعر كل مستخدم أن استنتاجاته “شخصية”، في حين أنها كانت موجهة له ضمنيًا، ومبنية على تحيّزاته السابقة.
التخصيص العاطفي كأداة تضليل ناعم
حين يدخل المستخدم في حوار مع الذكاء الاصطناعي حول فرص الاستثمار، فإن النموذج لا يقدم رأيًا موضوعيًا فقط، بل يصيغه بما يُرضي العقل الباطن للمستخدم .هذه الطريقة تُغري المستثمر المبتدئ بشعور زائف بالثقة، وتُنتج قناعات مستقرة مبنية على الراحة النفسية، لا على الفهم العميق.
وبالتالي، تتراكم مئات الآلاف من القرارات المشابهة، التي تبدو فردية، لكنها في الحقيقة تخلق موجة سلوكية جماعية تتضخم دون وعي.
الفارق الجوهري مع المحللين التقليديين
الخبير التقليدي مثل أسواث ديموداران، حين يُعبّر عن رأيه، فهو يفعل ذلك ضمن إطار زمني ومكاني محدد، وبصوت واحد مسموع أما النماذج الذكية، فبإمكانها الحديث إلى آلاف الأشخاص في آنٍ واحد، وكل منهم برسالة مصممة خصيصًا له. هذا التأثير واسع النطاق يجعل من هذه الأدوات قوة معرفية تتجاوز كونها مرشدًا إلى كونها جهة فاعلة في السوق ولو بطريقة غير مباشرة
صناعة الفقاعات بصمت
لا حاجة أن يصدر الذكاء الاصطناعي توصية صريحة يكفي أن يُكرّر، بصيغ مختلفة، أن أسهمًا معينة “ما زال فيها زخم” أو أن “المستثمر طويل الأجل لن يندم .هذه العبارات، رغم حيادها الظاهري، تغذي عقلية الشراء غير المشروط . ومع ازدياد الاعتماد على هذه النماذج، تتسارع حركة القطيع، وتتكون فقاعة سلوكية دون أن يُدرك أحد كيف نشأت.
أين تكمن المسؤولية؟
لا يمكن تحميل هذه النماذج الذنب وحدها. فهي لا تملك وعيًا ولا نية لكن المسؤولية تقع على من يصممها، ومن يُروّج لاستخدامها دون توعية، وعلى المستخدم نفسه إن يسأل السؤال الأهم
هل هذا التحليل يقودني، أم يُعيد إنتاج ما أرغب في سماعه فقط؟
الخلاصة
في زمن تحكمه الخوارزميات، يصبح التفكر في أثر الذكاء الاصطناعي على السلوك المالي ضرورة لا رفاهية. فالذكاء الاصطناعي لا يحتاج إلى نية خبيثة ليُحدث ضررًا…
يكفي أن يُرضي الجميع، بطريقتهم، وفي الوقت الذي يريدونه، حتى يصنع موجة قد تكون أعنف مما تتوقعه الأسواق نفسها..
.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال