الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
بينما كانت دول كثيرة تترقب تعافي السياحة بعد جائحة كوفيد، كانت السعودية تمضي بخطى حثيثة نحو بناء تجربة سياحية مختلفة، لا تكتفي فقط بجذب الزوار بل بإعادة تعريف مفهوم السياحة في المنطقة. الأرقام التي كشفت عنها الهيئة العامة للإحصاء للربع الرابع من عام 2024، تؤكد أن ما يحدث ليس طفرة مؤقتة بل تحول استراتيجي يقوده تخطيط دقيق، واستثمار ضخم، ورؤية واضحة.
فقد بلغ عدد المشتغلين في الأنشطة السياحية بنهاية الربع الرابع من العام 2024 نحو 966.5 ألف مشتغل، بزيادة 4% مقارنة بالربع نفسه من عام 2023. هذه الزيادة ليست رقمًا معزولًا، بل تتويجًا لسلسلة نمو بدأت في الربع الأول من 2023، حين بلغ عدد العاملين في القطاع 900.5 ألف، وواصلت الصعود حتى نهاية العام التالي. ورغم أن 75% من هؤلاء المشتغلين هم غير سعوديين، فإن وجود 242.1 ألف في القطاع يمثل حضورًا مهمًا، حتى وإن شهد تراجعًا طفيفًا بنسبة 1% عن نفس الفترة من العام السابق.
اما من حيث التوزيع النوعي، فما زال الذكور يشكلون النسبة الأكبر من العاملين في السياحة بنسبة 87%، في حين تمثل النساء 13% فقط، وهي نسبة لا تعكس بعد الطموحات الكبيرة لإدماج المرأة السعودية في هذا القطاع الحيوي. وعلى صعيد الأنشطة، يتصدر نشاط تقديم الطعام والشراب القائمة بـ 637.9 ألف مشتغل، تليه الإقامة للزوار بـ 132 ألفًا، فيما توزعت البقية على تجارة التجزئة، النقل البري، ووكالات السفر وغيرها.
جغرافيًا، لا تزال منطقة الرياض تتصدر المشهد بـ 320.6 ألف مشتغل، تمثل 33.2% من إجمالي العاملين، تليها مكة المكرمة بـ 269 ألفًا، ثم المنطقة الشرقية بـ 146.9 ألفًا، ما يشير إلى تمركز النشاط السياحي في المناطق الثلاث الكبرى، وإن كانت مشاريع كبرى مثل العلا، والبحر الأحمر، ونيوم، تعد بتوسيع الخارطة السياحية على مدى السنوات القادمة.
من حيث أداء منشآت الإيواء، سجلت الفنادق معدل إشغال بلغ 56% خلال الربع الرابع، بينما سجلت الشقق المخدومة ومرافق الضيافة الأخرى معدلًا قريبًا بلغ 55.9%. اللافت أن منطقة الرياض حصدت أعلى نسب الإشغال في النوعين، مما يعكس حيوية القطاع السياحي في العاصمة سواء لأغراض العمل أو الترفيه.
أما الأسعار، فقد شهدت تراجعًا طفيفًا في متوسط أسعار الغرف الفندقية إلى 440 ريالًا بانخفاض 2%، مقابل ارتفاع لافت في أسعار الشقق المخدومة التي بلغت 220 ريالًا بزيادة 25% عن العام السابق، وهو ما قد يعكس تغيرًا في تفضيلات الزوار نحو خيارات أكثر خصوصية ومرونة.
وعلى صعيد مدة الإقامة، حافظت الفنادق على استقرار نسبي بمتوسط 3.6 ليلة، بينما تراجعت المدة في الشقق المخدومة إلى 2.1 ليلة مقارنة بـ 2.4 ليلة في الربع الرابع من 2023، مما قد يشير إلى زيادة في الرحلات القصيرة أو رحلات العمل السريعة.
كل هذه الأرقام تؤكد أن السياحة السعودية تتجه بثبات نحو أن تصبح أحد أعمدة الاقتصاد الوطني، مدعومة برؤية 2030 التي تضع هذا القطاع في صميم التحول الاقتصادي والاجتماعي. إلا أن هذا التقدم لا يخلو من تحديات. أبرزها الحاجة إلى رفع نسبة التوطين في القطاع وتوفير برامج تدريب وتأهيل فعالة للسعوديين. كما يبرز تحدي تنويع المنتجات السياحية خارج المدن الكبرى، وتطوير البنية التحتية الداعمة في المناطق الواعدة. كذلك، هناك حاجة إلى زيادة تمكين المرأة، وإيجاد بيئة عمل مرنة ومستدامة تستوعب طموحاتها.
ومن هنا، فإن التوصيات تنطلق أولًا من ضرورة تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتوسيع قاعدة الاستثمارات السياحية. كما أن تطوير مناهج تعليمية متخصصة بالسياحة والضيافة سيبني جيلًا وطنيًا قادرًا على قيادة هذا القطاع. وأخيرًا، فإن التركيز على السياحة المستدامة، والثقافية، والطبيعية، سيمنح السعودية ميزة تنافسية في سوق سياحي عالمي يبحث عن تجارب أصيلة ومختلفة. السياحة السعودية لم تعد مجرد وجهة.. بل قصة تُكتب فصولها الآن، ومَن يقرأ الأرقام يعرف أن القادم أعظم.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال