الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
الحج تلك الرحلة الروحانية التي تهفو إليها قلوب الملايين من المسلمين حول العالم لتحقيق الركن الخامس من أركان الإسلام ، ويعدّ شرف خدمة ضيوف الرحمن شرف عظيم ومسؤولية سامية تضطلع به المملكة العربية السعودية بقيادة مولاي خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين.
تتجلى التحديات التاريخية في تنظيم الحج، مثل تلك التي واجهت قوافل الحجاج من قبل قطاع الطرق وشح المياه إلى الأوبئة وتقلبات المناخ القاسية ومشقة المسافة. وقد دفعت هذه التحديات إلى ابتكارات فريدة، فـ”درب زبيدة” في العصر العباسي، الذي تضمن آباراً وبركاً على طول الطريق، كان مثالاً مبكراً على البنية التحتية المائية المبتكرة.
ومع تأسيس المملكة، أدرك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – طيب الله ثراه – عظم هذه المسؤولية، فبدأت رحلة تطوير مستمرة لمنظومة الحج. حيث بدأت هذه المنظومة بـ”لجنة إدارة الحج” عام 1345هـ/1926م، وتطورت إلى “المديرية العامة لشؤون الحج” في 1365هـ/1946م، وصولاً إلى إنشاء “وزارة الحج والأوقاف” في 1381هـ/1962م. ومع تزايد أعداد الحجاج، تم فصل قطاع الأوقاف لتصبح “وزارة الحج” في 1414هـ/1993م، وأخيراً “وزارة الحج والعمرة” في 1437هـ/2016م.
شهد موسم 1446هـ توافد (1,673,230) حاجاً وحاجة، منهم (1,506,576) من خارج المملكة 7، قادمين من 71 دولة عبر أكثر من 10 آلاف رحلة، استقبلتهم 11 صالة مخصصة في مطاري الملك عبدالعزيز بجدة والأمير محمد بن عبدالعزيز بالمدينة المنورة وتحقيق معدل انضباط للرحلات تجاوز %95 مما تعكس الكفاءة اللوجستية غير المسبوقة في إدارة تدفقات بشرية هائلة.
كان النجاح الصحي لافتاً، حيث أعلنت وزارة الصحة خلو الموسم من أي تفشيات وبائية. وقدمت المنظومة الصحية نحو 200 ألف خدمة صحية متكاملة لضيوف الرحمن، شملت 109,511 مراجعاً للمراكز الصحية، و42,949 حالة طارئة. كما تم إجراء 29 عملية قلب مفتوح و311 قسطرة قلبية. ولتعزيز الوصول للخدمات، استفاد 10,430 حاجاً من مستشفى الصحة الافتراضي، وقدمت 9,001 استشارة طبية عبر الهاتف، ونفذت 1.47 مليون خدمة وقائية عبر المنافذ الحدودية والمطارات.
على المستوى التقني، شكّلت المنصات الرقمية قفزة نوعية في تجربة الحاج من مرحلة التخطيط وحتى العودة. تصدرت منصة “نسك” المشهد الرقمي، حيث أتاحت لحجاج الخارج إصدار التأشيرات خلال دقائق، وإدارة النفقات عبر “محفظة نسك”، والاستفادة من تطبيقات الترجمة والخرائط والجدولة، مما رفع نسبة رضا الحجاج عن الخدمات الإلكترونية إلى أكثر من 87%. وبدعم من شركات كبرى مثل STC وزين وهواوي، تم تعزيز البنية التحتية للاتصالات لتوفير تغطية شاملة للجيل الخامس (5G) في المشاعر المقدسة، مع زيادة سعة البيانات المنقولة بنسبة 41% مقارنة بالعام السابق.
ومن الناحية البيئية والخدمية، فُعِّلت مبادرات ذكية لتلطيف الأجواء في ظل الظروف المناخية القاسية، من بينها نشر أكثر من 11,000 مرش رذاذ بارد، وتوزيع مئات الآلاف من المظلات والمياه المبردة، إلى جانب تنظيم حركة الحشود بفعالية باستخدام الذكاء الاصطناعي، مما ساعد على تقليل أوقات التنقل بنسبة 32% مقارنة بموسم 1445هـ.
هذا النجاح لموسم 1446هـ هو انعكاس مباشر لـ”برنامج خدمة ضيوف الرحمن”، أحد البرامج المحورية ضمن رؤية السعودية 2030 الذي يستهدف رفع الطاقة الاستيعابية إلى 15 مليون معتمر بحلول 2025، و30 مليون بحلول 2030، مع تحقيق رضا بنسبة 90% عن الخدمات المقدمة.
ولعل أبرز ما يميز إدارة الحج في السعودية أنها لم تعد مجرد عملية لوجستية، بل تحولت إلى نموذج شامل يجمع بين التخطيط الاستراتيجي، والتحول الرقمي، والرعاية الصحية، وخدمة الحشود. كما أن استضافة المملكة لـمنتدى الأمم المتحدة العالمي للبيانات 2026، وتأسيس المركز العالمي لطب الحشود، يعكسان التزامها بتصدير خبرتها للعالم، وتقديم أفضل الممارسات في إدارة التجمعات البشرية.
هذا النجاح ، المدعوم ببنية تحتية متطورة، وحوكمة رقمية، وخبرة تاريخية متراكمة، وتطلعات رؤية 2030 الطموحة، يؤكد مكانة المملكة كمركز عالمي لإدارة الحشود وتقديم الخدمات اللوجستية والصحية على أعلى المستويات. و هذا يضع المملكة ليس فقط كخادم مخلص للحجاج، بل كقائد عالمي ومعيار لأفضل الممارسات في إدارة التجمعات البشرية الكبيرة، وبالتالي يوسع نفوذها وريادتها إلى ما هو أبعد من السياق الديني المباشر وتؤكد دور المملكة المحوري في العالم الإسلامي ولله الحمد والشكر والفضل على هذا النجاح.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال