الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
خرج وزير المالية ليعلن، بنبرة صريحة كعادته، ما مفاده بأن الدولة تُعيد دراسة أولويات الإنفاق في ظل تراجع أسعار النفط، وتصريحه هذا ليس دعوة للقلق، بل إشارة إلى دخول المالية الوطنية مرحلة أكثر واقعية في إدارة السيولة، فالإنفاق يستمر رغم اتساع العجز، والمشروعات تتواصل رغم ارتفاع الدين، وتراهن الدولة – بوعي – على امتلاكها ما يكفي من الأدوات لامتصاص التقلبات، لكن ماذا عن المستثمر الفرد حين تتراجع الأسعار وتضطرب الإشارات؟
لم تعد احتمالات هبوط خام برنت إلى نطاق الخمسين دولارا – على أواخر 2025 – حديث مضاربين، بل توقعات رسمية ضمن تقارير بنوك عالمية كبرى مثل “جولدمان ساكس” و”سيتي جروب”، ومع كل دولار ينخفض، تزداد مستويات التحوط، وتضعف شهية المخاطرة، وتبدأ السيولة بالتراجع على نحو تدريجي، وفي الخلفية، تمارس السياسة النقدية أدواتها في التقييد أو التحييد، بما يعكس حذرا مؤسسيا متصاعدا، وهنا، يجد المستثمر الفرد نفسه محاطا بإشارات غير مباشرة: عقار يتباطأ بدلا من أن يتنامى، أو سوق أسهم يفقد زخمه بلا مبرر ظاهر، أو بنوك تُراجع اشتراطات التمويل وكأنها تقرأ تغيرا أعمق مما يُصرح به.
لكن، مكمن الخطر ليس في حركة السوق فقط، بل في تردد المستثمر الفرد في القرار، فالأصل الذي لم يُبع حين كانت الأسعار مرتفعة يتحول إلى عبء مع تبدل التوقعات، والمشروع الذي بدأ بدافع الحماس يواجه فجأة صعوبات تشغيلية أو تمويلية، أما الودائع، فتدخل مرحلة الركود، ليس لأن العائد مجز، بل لتراجع الرغبة في المبادرة بفعل الحذر المتزايد.
تصريح معالي وزير المالية، بقدر ما يحمل طمأنة على المستوى الكلي، فإنه يشكّل دعوة ضمنية للمستثمر الفرد كي يعيد تقييم موقعه، فليس المطلوب منه أن يعيش بعقلية الأزمة، ومن العبث – في المقابل – أن يتعامل وكأن السوق لم يتغير، فمن يملك محفظة، أو مشروعا، أو حتى خطة تقاعد، يحتاج الآن إلى أعصاب هادئة وإرادة صلبة، وألا يتوسع دون غطاء، ولا يتجمد دون مبرر، ولا ينتظر تصحيحا خارجيا إن كان يستطيع البدء بإعادة التموضع من الداخل.
النفط قد يتراجع، هذا مرجّح، لكن الخطر الحقيقي هو أن يتراجع المستثمر الفرد عن الانضباط، وعن التحليل والقرار والتنفيذ، فالسوق لا يعاقب من يخطئ التوقيت، بل من يرفض التعديل حين تتغير المعادلة.
المالية السعودية تملك أدواتها وتُجيد ترتيب أولوياتها، لكنها تفعل ذلك ضمن مؤسسات وخبرات، أما الفرد، فإن تأخر في تعديل أولوياته، فقد يخسر لا بفعل الأزمة، بل بفعل التباطؤ في التأقلم مع واقع يتغير دون إنذار.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال