الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
ما شاهدناه هذا العام في حج 2025 كان مختلفًا بكل المقاييس. لم يكن موسمًا مكررًا أو نسخة من أعوام مضت، بل تجربة جديدة بالكامل. هناك شيئًا متغيرًا في كل التفاصيل؛ حركة الحشود أكثر سلاسة، الخدمات أكثر تنظيمًا، والاستجابة لأي موقف أسرع من أن تُلاحظ.
شيء ما كان يدير كل هذا خلف المشهد. لم تكن الأمور تسير عشوائيًا أو فقط بجهود بشرية. بدا وكأن هناك عقلًا رقميًا يراقب ويتفاعل بصمت، يسبق الزحام قبل أن يحدث، ويوجه الناس دون أن يشعروا أنهم يُوجَّهون. عرفت لاحقًا أن ما كنت أراه هو عمل الذكاء الاصطناعي وقدرته على قراءة المشهد لحظة بلحظة، والتصرف قبل أن يظهر التحدي.
في كل خطوة، كان هناك نظام يفهم ما يحدث. الكاميرات تعمل كأدوات ذكية تلتقط الزحام قبل أن يتفاقم، وتبعث بإشارات للفرق الميدانية لتتحرك فورًا. وكأن كل شيء مترابط. والخوارزميات التي تدير التفويج لم تنتظر الخطأ لتصلحه، بل منعت حدوثه أصلًا، لأنها تعلّمت من مواسم سابقة وتوقعت ما سيحدث بدقة.
وفي سط هذا المشهد، برزت بطاقة “نسك” الذكية كأحد أكثر الابتكارات تأثيرًا. التي لم تكن مجرد وسيلة تعريف، بل تحوّلت إلى حلقة وصل متكاملة بين الحاج والمنظومة. من خلالها يُعرف موقع الحاج، وتُتابع حالته الصحية، ويُقدَّم له الدعم اللحظي إذا احتاج تدخلًا أو خرج عن مساره. ومع تطور قدرات التحليل، بات النظام يوجه تحركات ملايين الحجاج بدقة، دون تدخل محسوس أو إرباك لتجربتهم الروحية. وفي لحظة ما، ترى الطائرات المسيّرة تحلّق فوقي. تراقب كل شيء، ترسل البيانات مباشرة إلى مراكز القيادة لتكون القرارات سريعة وفعالة. كما ترى روبوتات تتحرك بهدوء، توزع الماء، ترشد من يحتاج، وتُبلّغ عن أي حالة طارئة دون أن توقف أحدًا أو تعرقل السير. كل شيء كان يعمل بانسجام تام، وكأن التكنولوجيا قررت أن تبتعد عن الأضواء، وتقوم بدورها من الخلف، بهدوء، وباحترام.
لم يكن هذا عرضًا تقنيًا مبهرًا لأجل الإبهار، بل كان تعبيرًا صادقًا عن فهم عميق لما تعنيه هذه الشعيرة. ما رأيته من بلادي، أعزها الله، كان احترامًا حقيقيًا لقدسية الحج. وتُمكّين الإنسان من أن يعيش تجربته الروحية في أجواء آمنة وواضحة وخالية من التوتر.
هذا التوازن الدقيق بين التطور والروحانية، بين الذكاء الاصطناعي وصفاء العبادة، لا يأتي صدفة. هو نتيجة رؤية ناضجة تعرف أن التقدم لا يعني أن يتراجع الإنسان للخلف، بل أن يُدفع للأمام، محاطًا بأدوات ذكية تفهم مكانها، وتعرف حدودها.
وهذا تمامًا ما جعل ما قدمته المملكة هذا العام مختلفًا: نموذج متوازن لا يُكرر، بل يُفهم ويُلهم.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال