الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في السنوات الأخيرة نلاحظ تزايد حضور مصطلح “الأتمتة” في الخطاب الاقتصادي والإداري، مع تنامي الاعتماد على التكنولوجيا في مختلف قطاعات الأعمال. يرى البعض في هذا التحول تهديدًا لفرص العمل التقليدية، بينما يراه آخرون تطورًا طبيعيًا يسهم في رفع كفاءة الأداء وتسريع العمليات. وبين هذين الاتجاهين، تتكشف ملامح واقع جديد لم يعد بالإمكان تجاهله. فالأتمتة أصبحت عنصرًا فاعلًا في إعادة تشكيل بيئات العمل، وتفرض على المؤسسات مراجعة بنيتها الداخلية، وتحديث مهارات كوادرها، لضمان مواكبة التحول التقني دون الإخلال بالتوازن بين الإنسان والآلة.
في السعودية مثلاً، تتسارع وتيرة التحول الرقمي بشكل غير مسبوق، مدفوعة برؤية 2030 التي وضعت التقنية كأحد محركات التغيير الأساسية. وبالتالي أصبحت الأتمتة جزءًا أصيلًا من استراتيجيات الشركات والمؤسسات الحكومية، بدءًا من الروبوتات البرمجية التي تعالج المعاملات اليومية وتقديم الدعم، وصولًا إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تتخذ قرارات معقدة في مجالات مثل قطاع المالية واللوجستيات وخدمة العملاء.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه: أين يقف الإنسان في هذا المشهد المتغير؟
الوظائف التي تتأثر بشكل مباشر بالأتمتة غالبًا ما ترتبط بالمهام الروتينية التي تعتمد على التكرار، ولا تتطلب قدرًا عاليًا من الإبداع أو التقدير البشري. في المقابل، تحتفظ الوظائف التي تعتمد على التفكير التحليلي، والمهارات التفاعلية، وحل المشكلات بقيمتها في سوق العمل، بل وتشهد طلبًا متزايدًا مع تسارع التحول الرقمي. هذا التحول أفرز تخصصات جديدة لم تكن مألوفة قبل عقد من الزمن، مثل تحليل البيانات، وهندسة التعلم الآلي، وتصميم تجارب المستخدم، وهي مجالات باتت تمثل ركيزة أساسية في استراتيجيات التوظيف المستقبلية لدى كثير من الشركات والمؤسسات.
لا تكمن خطورة الأتمتة في ذاتها، بل في تجاهل تداعياتها أو التعامل معها بعقلية مقاومة وغير مستعدة. فغياب منظومات تعليمية وتدريبية مرنة يُفاقم الفجوة بين متطلبات السوق ومهارات القوى العاملة، ويترك المجتمعات أمام تحديات تتسارع وتيرتها. بالرغم من تواجد عدد من المبادرات التي تواكب ذلك، إلا أن الطريق لا يزال يتطلب المزيد من الاستثمار في الإنسان والمهارة.
التحولات التي أحدثتها الأتمتة لا تختلف كثيرًا عما شهده العالم في الثورات الصناعية السابقة؛ إذ بدأت تلك التحولات بمخاوف مشروعة، وانتهت بواقع جديد أعاد تعريف مفهوم الوظيفة والإنتاج والعمل. وعليه نصل إلى أن الأتمتة لا تُلغي الوظائف، لكنها تُزيح الجمود وتعيد ترتيب الأولويات في بيئة طموحة، حيث تبرز الأتمتة لا كخطر محتوم، بل كفرصة واعدة لمن يحسن قراءتها وتوجيهها في المسار الصحيح.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال