الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
قبل بضعة أيام، جلس معي أحد الأصدقاء في احد المقاهي وسألني:
” في الفترة الأخيرة، بتنا نسمع بين الحين والآخر عن أنواع جديدة من الذكاء الاصطناعي، قبل فترة الذكاء التوليدي والان الذكاء الوكالي. فما قصة التطور السريع الملفت للنظر؟”
تمهلت قليلا قبل ان أجاوبه لأني إذا أردت أن أقدم له إجابة كاملة ومفصلة، فسيتعين عليّ أن أكتب كتابًا كاملا، لكنه أراد الإجابة المختصرة والبسيطة بحكم انه رجل غير تقني وتنفيذي في عمله. وعادة مثل هذه الشخصيات يفضلون الاختصار إلا إذا طلب الاستهلال في جزء معين.
فأخبرته: هل تعلم ان الذكاء الاصطناعي ليس جديدًا. لقد وُجد منذ الخمسينيات، بدءًا من قواعد بسيطة تعتمد على ‘إذا-ثم’ مثل شجرة كبيرة من قرارات نعم/لا. أطلقنا على ذلك اسم الذكاء الاصطناعي القائم على القواعد. لكن هذا لم يكن كافيًا بعد. لاحقًا، تطورت الشبكات العصبية لتقليد الدماغ. لكنها كانت صعبة الإدارة كلما ازدادت المهام تعقيدًا. ثم حوالي العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، انتقلنا من فكرة برمجة القواعد إلى تغذية الآلات بالبيانات وهنا وُلد التعلم الآلي، الذي لم يكن يفكر بنفسه. وها نحن الآن دخلنا في عصر الذكاء الاصطناعي التوليدي والذكاء الاصطناعي الوكيل الذي يمكنه الكتابة وحل المشكلات وحتى إنشاء المحتوى. بالرغم من أنها تبدو هذه الأنظمة كالبشر، لكنها لا تزال بعيدة عن التفكير كالبشر.
لكن “فجر الذكاء الاصطناعي قد بدأ للتو. ستتغير الأمور بشكل أسرع، واليوم الذي يمكن فيه للذكاء الاصطناعي أن يتطور وينمو ذاتيًا هو اليوم الذي سينضج فيه ويتألق.”
هذا ما أؤمن به. الذكاء الاصطناعي الحقيقي سيكون من النوع الذي يمكنه إعادة تصميم منطقه الخاص، وتوليد أفكار جديدة بدون توجيهات بشرية، والتكيف مثل طفل يتعلم من الحياة. حينها سنلتقي بالذكاء الحقيقي. وإذا اقترن هذا الذكاء بشكل مادي – روبوت – فإن تطوره يصبح بلا حدود. ليس مجرد محلل ومنفذ سريع، بل عقل مفكر. مؤخرًا، نشرت Apple ورقة بحثية تدعم هذه الفكرة. حتى أفضل أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي اليوم لا تفهم حقًا. إنها لا تفكر؛ إنها تتنبأ بتقليد الأنماط في البيانات، وعندما تصبح الأمور معقدة حقًا، فإنها تفشل في مساعدتك. الأمر أشبه بمشاهدة ببغاء يقدم محاضرة TED Talk: يبدو لامعًا، لكنه لا يملك أدنى فكرة عما قاله للتو.
هذا هو السباق الجديد، وكل دولة في العالم تريد تحقيق هذا المستوى من الذكاء الاصطناعي وأن تكون الأولى. تستثمر المملكة العربية السعودية بكثافة في الذكاء الاصطناعي: من البنية التحتية ومراكز البيانات إلى بناء القدرات البشرية من خلال مبادرة المليون خبير في الذكاء الاصطناعي. الإعلان الأخير عن انضمام Humane إلى المنظومة السعودية هو إشارة قوية أيضًا. هدفنا ليس مجرد أن نكون مستخدمين للذكاء الاصطناعي، بل نحن نبني مستقبله. هذا الأمر يتجاوز مجرد التكنولوجيا. إنه يتعلق بالقيادة والرؤية الموحدة، وهنا يأتي دورنا كقياديين وتنفيذين في متابعة قيادتنا الحكيمة في توجهاتها.
بصفتنا قادة في مؤسساتنا، نحتاج إلى البدء في التفكير في كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي. لا تنتظر الذكاء الاصطناعي المثالي. استخدم ما هو متاح اليوم لحل المشكلات الحقيقية. إذا لم نبدأ الآن، سيفعل شخص آخر، وسنتعرض للاضطراب. بالنسبة لأي تقنية، أكبر خطأ هو الانتظار حتى تصبح خالية من العيوب. تكيّف مبكرًا وتحرك بسرعة، أو تخلف عن الركب. دعني أبسّط الأمر للقادة غير التقنيين. إليك وصفتي السرية للبدء: تبني الذكاء الاصطناعي التوليدي ليس مجرد مشروع تقني بسيط. مثل أي تقنية ناشئة، يجب أن يتماشى تطبيق هذه التقنية مع رؤية المنظمة واستراتيجيتها. يبدأ التغيير على مستوى القيادة. تبني هذه التكنولوجيا أمر بالغ الأهمية، ويجب أن يدرك الموظفون أن الذكاء الاصطناعي لن يحل محل البشر، بل سيعيد تشكيل أدوارهم. قم بتمكين فرقك، ورفع مستوى مهاراتهم، وساعدهم على أن يصبحوا محترفين في الذكاء الاصطناعي. لا تحاول فعل كل شيء دفعة واحدة. ركز على حالات الاستخدام أو المجالات الثلاثة التالية: الإنتاجية الداخلية، تفاعل العملاء والمبيعات، والابتكار الجريء. لا تخف من الفشل، حاول التجربة والتعلم، وابقَ مرنًا. ويجب ان نكون موقنين بأننا في النهاية لا نهدر الموارد بل نستثمر في المستقبل، لضمان بقاء المؤسسة واستمراريتها واستدامتها.
دعونا نتعلم من أخطاء الآخرين، فالمؤسسات التي شكت بالزعزعة الرقمية ولم تواكب التطور الرقمي انتهى بها الأمر إلى مغادرة السوق. الخيار بسيط، قم بإحداث ثورة في قطاعك أو سوف تتعرض منظمتك للزعزعة من قبل ذكاء اصطناعي لمنظمة آخرى.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال