الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
بالبداية عند منتصف الليل، وبينما ينام أغلب سكان الأرض، تبقى بعض الشاشات منيرة بأرقام تتغير كل ثانية، ومؤشرات تتحرك كأنها تتنفس. الأسواق المالية لا تنام، بل تحلم… تحلم بالصعود، تهذي بالنزول، وتعيش أحيانًا أوهامًا لا تلبث أن تصحو منها على وقع الواقع. لكن، هل هي تحلم فعلاً؟ أم نحن من نُسقط أحلامنا ومخاوفنا عليها؟
1.الأسواق ككائن حي: هل لها مزاج؟
يصف البعض السوق بأنه “عقلاني على المدى الطويل، ومجنون على المدى القصير”. والحقيقة أن السوق ليس عقلانيًا تمامًا، بل هو انعكاس لجماعات من البشر، كل منهم يحمل تصوراته، مخاوفه، وآماله. لذلك، حين تنتشر الشائعات، أو يُلقى خبر سلبي، ترى السوق يتصرف وكأنه في حالة هلع جماعي.
الأسواق ليست روبوتات، بل مزيج من المشاعر والقرارات، وهذا ما يجعلها “تحلم” أحيانًا بقفزات غير منطقية، أو تنهار تحت ضغط نفسي جماعي.
2.الخوف والطمع: العاطفتان الحاكمتان
في كل دورة من دورات السوق، يظهر وجهان لا يمكن تجاهلهما: الخوف والطمع. عندما يرتفع السوق بشكل قوي، يظهر الطمع: “لا تفوّت الفرصة!”، “ادخل قبل أن يفوتك القطار!”. في المقابل، عندما ينهار السوق، يظهر الخوف: “بِع الآن قبل أن تخسر كل شيء!”، “السوق لن يتعافى!”
هذان الشعوران هما محركا القرارات في كثير من الأحيان أكثر من التحليل المالي أو الأرقام.
مثال حي:
في جائحة كورونا، هبطت الأسواق بشكل حاد رغم عدم وضوح كامل الأثر الاقتصادي، ثم ارتدت بقوة مذهلة بعد طباعة الأموال وتدخل البنوك المركزية… وكأن السوق يعيش حالة من “الهروب من الواقع” إلى أمل جامح في التعافي.
3.الحلم مقابل الواقع: متى تنفصل السوق عن الأساسيات؟
في بعض المراحل، تتحول الأسواق إلى ما يشبه “غرفة الأحلام”. ترتفع أسهم بلا أرباح، وتُضخ الأموال في شركات ناشئة فقط لأنها واعدة – لا لأنها رابحة.
ما يحدث حينها هو انفصال بين الواقع المالي (مثل الأرباح، والمبيعات، والديون) وبين السرد العاطفي الذي يرويه السوق لنفسه.
الفقاعات الاقتصادية (مثل فقاعة الإنترنت في 2000، أو فقاعة العقارات في 2008) كانت نتيجة أسواق حلمت أكثر مما حسبت.
4.كيف يستفيد المستثمر الذكي من هذه الأحلام؟
المستثمر الناجح لا يتجاهل الأحلام، لكنه يعرف أنها مؤقتة. يستخدمها لصالحه، لا ليغرق فيها. بعض أهم النصائح:
•لا تدخل سوقًا بسبب العاطفة فقط.
•راقب نفسيات السوق كما تراقب المؤشرات.
•احتفظ بهامش أمان، وكن مستعدًا للعكس دائمًا.
•اقرأ ما بين السطور: هل السوق متفائل بشكل مفرط؟ أم خائف بلا مبرر؟
لذلك الأسواق لا تنام، لكنها لا تصحو دائمًا على الحقيقة. بين الحلم والواقع، يعيش المستثمر تجربة مليئة بالتقلبات النفسية والسلوكية. أن تفهم السوق لا يعني فقط أن تدرس أرقامه، بل أن تفهم مشاعره أيضًا.
وفي النهاية، كل مستثمر ناجح هو أشبه بطبيب نفسي… يعالج قلق السوق بالصبر، ويتعامل مع أحلامه بالحكمة
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال