الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
هناك من يجادل أن علينا خلق كيانات كبيرة لتحقيق نمو اقتصادي متصاعد، ولا يبدو أن ثمة أساس لوجهة النظر هذه. ومن يستشهد بنجاح الكيانات الكبيرة في الاقتصاد السعودي من أمثال أرامكو وسابك على سبيل المثال لا الحصر، فهذه مبادرات حكومية؛ الأولى قامت ارتكازاً على اتفاقية سيادية لاستثمار مورد طبيعي، وسابك قامت بناءً كذلك على توجه سامي للاستفادة من مورد مهدر هو الغاز الطبيعي الذي كان يحرق، وكلا الحالتين تطلبتا ترتيبات واستثمارات ليس بمقدور القطاع الخاص القيام بها. وفي وقتنا الحاضر، فقد جلبت الرؤية مشاريع عملاقة ليس بوسع القطاع الخاص القيام بها، لأسباب، منها أن تلك المشاريع بحاجة إلى استثمارات تنموية ليس لها عائد مالي مجدي ولكنها تفتح آفاق للتنويع الاقتصادي، مثل مشروع القدية، الذي وضع حجر أساسه من قبل خادم الحرمين الشريفين وبحضور سمو ولي العهد قبل نحو ثمان سنوات، ليكون أكبر مدينة ترفيهية عالمية في المملكة، على مساحة 376 كم مربع، أي ثلاثة أضعاف مساحة ديزني لاند الأمريكية، في قلب جبال طويق على بعد 70 كم من الرياض. وبالقطع فمشروع من هذا الوزن ليس مشروعاً اقتصادياً بحتاً يقيم بناءً على معدل العائد على الاستثمار، فهو حاضنة ستصنع اقتصاداً وتولد قيمة في موقع غير مستغل، وستعيش في تخوم مدينة القدية الترفيهية مئات المشاريع الصغيرة لتولد آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة.
أما مساهمة القطاع الخاص المؤثرة اقتصادياً فهي من خلال المنشآت المجهرية والصغيرة، نعم نسبة عالية منها تخرج خلال أول ثلاث سنوات من دخولها السوق، فمثلاً في المملكة المتحدة 60 بالمائة تخرج خلال أول 3 سنوات، وفي الولايات المتحدة 32 بالمائة، وعلى مستوى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية فالمتوسط يتراوح بين 40 بالمائة و60 بالمائة، ولا توجد بيانات عن معدل خروج المنشآت الصغيرة والمتوسطة في السعودية.
ولابد هنا من التنويه إلى أن معدل الخروج يتفاوت من نشاط اقتصاد إلى آخر، مع ملاحظة أن نشاطي الضيافة والتجزئة هما الأعلى خروجاً.
وإذا تناولنا الأمر من وجهة نظر المستثمر، فلا شك أن ثمة عوامل خارجة عن إرادة المستثمر، مثل ارتفاع التكاليف بما في ذلك الرسوم وتكاليف التمويل، ولا ننسى تكلفة تأسيس مقر ومتطلبات الترخيص، كل ذلك يضع المشروع أمام تحديات لم تكن في الحسبان، فضلاً عن مخاطر الدخول للسوق وقبول المنتج والقدرة التنافسية وخدمات ما بعد البيع. لذا، نجد أن بعض المشاريع تفشل رغم توفر عناصر النجاح في البداية، ثم تبدأ الريح المضادة تهب، فتعصف بالمشروع الواعد.
ونجد أن التعليقات تتكاثر وتتواتر عن فشل المطاعم والمقاهي، أو لنقل المشاريع الصغيرة في قطاع الأطعمة والأشربة. هل هناك سبب محدد معين؟ تتعدد الأسباب، لكن كما سبقت الإشارة فالإحصاءات تبين أن هذا القطاع هو الأعلى مخاطرة بدليل أن نسبة الخروج منه هي الأعلى في الدول التي أشرت لها آنفاً.
وهكذا، فحزمة من العوامل مجتمعة أو متفرقة تؤدي إلى إخراج المشروع من السوق. ومع الإقرار بوجود تحديات تتعلق بتوفر التمويل وبالسياسات والإجراءات، فعلى مدى سنوات من البحث في نجاح وفشل المشاريع، بوسعي القول أن ثمة أسباب داخلية، قد لا يقرّ صاحب المشروع بها، فيبعدها تماماً ويلقي باللوم كاملاً على أسباب خارجية لا سلطة له عليها!
قد يكون الأمر كذلك، ولكن في حال حرص المستثمر والمنظم -على حدٍ سواء- على معرفة الأسباب الجذرية لعدم نجاح المنشأة فبوسعنا معاودة الكَرّة والمحاولة من جديد، حتى لا نرتكب ذات الأخطاء ثانيةً وثالثة.
وبالإضافة للأسباب الخارجة عن تحكم صاحب المشروع، فهناك أسباب داخلية تتعلق بالمشروع قبل وبعد تشغيله، وبناءً على تحليل تجارب شاهدتها، يمكن إجمالها في سبعة أسباب أساسية، أوردها دون مراعاة للأهمية، حيث يتفاوت تأثيرها من مشروع لآخر.
1- التكلفة: عدم دراسة واقع عناصر التكلفة بعمق، وإجراء تحاليل حساسية في حال ارتفاع الكلفة.
2- السوق: عدم دراسة واقع السوق المستهدفة بعمق وتمعن.
3- المنافسة: عدم دراسة المنافسة في السوق المستهدفة؛ مثال: في أحد الأحياء الصغيرة 4 محلات قهوة مختصة، سعر الكوب قريب من سعره في ستاربكس، الذي له في الحي فرع كذلك!
4- تجربة العميل: عدم رصد تجربة العميل بدقة؛ مُنَغص بسيط قد يؤدي لخسارة العميل.
5- التمويل: بناء النموذج المالي على افتراضات متفائلة، وليس مستخلصاً من نموذج عمل (business model) وافتراضات واقعية.
6- الشغف: إن كنت شغوفاً بالفعل، فذلك سيجعلك تعرف كل ما يمكن معرفته عما أنت بصدد الاستثمار فيه، أما إن كان مجرد استثمار وليس شغفاً فلابد من وجود خبير، فهو الذي سيصنع الفرق.
7- المُلاك: خلافات بين الملاك قد تفسد الاستثمار وتؤدي لفشله حتى إن كان ناجحاً في البداية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال