الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
شهد المنتدى السعودي الصيني لتصدير المنتجات واستدامة القطاع الزراعي الذي عُقد في بكين منتصف مايو، توقيع 57 اتفاقية ومذكرة تفاهم بين البلدين، بإجمالي استثمارات تتجاوز 14 مليار ريال. وقد ترأس وزير البيئة والمياه والزراعة السعودي، المهندس عبد الرحمن بن عبد المحسن الفضلي، وفدا رفيع المستوى في زيارة إلى الصين، حيث أجرى لقاءات معمقة مع عدد من الجهات الحكومية الصينية والشركات الرائدة. هذا التفاعل الكثيف لا يعكس فقط تعمق التعاون الزراعي بين البلدين، بل يدل أيضا على انتقال العلاقات الثنائية من مجرد تجارة المنتجات الزراعية إلى بناء مشترك للتكنولوجيا الزراعية ودمج الصناعات، مما يمهد لمرحلة جديدة من التعاون النوعي والدقيق.
من بين الاتفاقيات الموقعة، حازت الموافقات الرسمية على تصدير منتجات الألبان والمستزرعات المائية السعودية إلى السوق الصينية على اهتمام واسع. فقد بدأت منتجات مثل حليب الإبل، الحليب السائل، مسحوق الحليب، والروبيان، والهامور وغيرها من المنتجات الزراعية تدخل تدريجيا إلى السوق الصينية. وفي ظل الاهتمام العالمي المتزايد بأمن وسلامة الغذاء، طورت السعودية من خلال الإدارة المعيارية وتمكين التكنولوجيا نموذجا مكثفا وعالي الجودة للزراعة في بيئة صحراوية. فعلى سبيل المثال، يتفوق معيار التحكم في عدد البكتيريا في منتجات الألبان السعودية متطلبات العديد من الدول المستوردة، كما بلغت كثافة الاستزراع المائي مستويات عالمية متقدمة. هذه “المعجزات الزراعية الصحراوية” لا تعكس فقط جهود المملكة في تحديث الزراعة ضمن “رؤية 2030″، بل تتماشى أيضا مع طلب السوق الصينية على الأغذية الصحية عالية الجودة.
ومع ذلك، فإن أهمية هذا التعاون الزراعي لا تقتصر على تبادل السلع، بل تبرز نمطا جديدا من بناء الصناعة المشتركة. فقد أعلن الجانبان خلال المنتدى عن تطوير مدينة ذكية للأمن الغذائي بالمملكة، تضم مصانع ومعامل وخدمات لوجستية متكاملة، بالإضافة إلى العمل المشترك إنشاء مدينة متكاملة للصناعات الأساسية والتحويلية في منطقة جازان. تشمل هذه المشاريع جوانب متعددة مثل الزراعة والتربية، المعالجة، سلاسل التبريد، والطاقة الخضراء، مما يعكس سعي البلدين لبناء نموذج تعاون متكامل من “المزرعة إلى المائدة”.
من الجدير بالذكر أن التكنولوجيا الزراعية الصينية أصبحت تشكل دعما مهما لتحول الزراعة في السعودية. ففي المنتدى، وقّعت شركة “4D Bios” من هانغتشو اتفاقية مع شركة سعودية لتطوير مصانع زراعية نباتية تتناسب مع البيئات الجافة. وتستخدم هذه المصانع أنظمة ذكية تعمل بالذكاء الاصطناعي للتحكم في الإضاءة، والمياه، والأسمدة، ودرجة الحرارة والرطوبة، مما يتيح إنتاجا عالي الكفاءة للخضروات والفواكه دون الحاجة إلى التربة. ولا تسهم هذه التقنية فقط في التوفير الكبير في استهلاك المياه، بل تضمن أيضا إمدادا مستقرا على مدار العام. وبالنسبة للسعودية، التي تواجه تحديات في موارد المياه، فإن هذا النوع من “الوحدات الزراعية عالية التقنية” يتمتع بإمكانية التوسع والتكرار على نطاق واسع.
كما أن التعاون العميق في المجال الزراعي عزز من التبادل بين الصين والسعودية في مجالات التنمية الخضراء، ونقل التكنولوجيا، وبناء المعايير الصناعية. فعلى سبيل المثال، يعمل الطرفان على مشاريع عملية في مجالات مثل الأعلاف الصديقة للبيئة، الأسمدة الحيوية، استزراع الطحالب، تحسين سلالات الماشية والدواجن، وإعادة تدوير النفايات الزراعية. وتساهم هذه المشاريع في زيادة القيمة المضافة للقطاع الزراعي السعودي، وفي الوقت ذاته توفر منصة للشركات الزراعية الصينية للتوسع الخارجي والمشاركة في سلاسل الإمداد الدولية.
وبشكل عام، يتحول التعاون الزراعي بين الصين والسعودية من كونه مدفوعا بالتجارة إلى شراكة صناعية ممنهجة. وهذا التحول لا يدعم فقط استراتيجية التنويع الاقتصادي في المملكة، بل يعكس أيضا تجسيدا عمليا لمبادرة “الحزام والطريق” في القطاع الزراعي.
إن مستقبل التعاون الزراعي بين الصين والسعودية لن يُقاس بعدد الأطنان المصدّرة فقط، بل بما إذا كان الطرفان قادرين على بناء بيئة زراعية مستدامة ذات قيمة مضافة عالية ومتعددة الأبعاد. ولا يقتصر هذا على الأمن الغذائي لكلا البلدين فحسب، بل يشمل أيضا المفهوم والمسؤولية المشتركة للدولتين الناشئتين تجاه مستقبل الزراعة العالمية. وهذا من شأنه أن يُسهم في بناء نموذج تعاون جديد للأمن الغذائي العالمي والتنمية البيئية المستدامة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال