الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترمب رجل الأعمال إيلون ماسك بـ “المجنون” في مقابلة مع شبكة ABC في 6 يونيو 2025، مما كشف انقسامات عميقة حول العجز المالي الأميركي، فتحذيرات ماسك من تسارع العجز لم تكن مجرد ملاحظات اقتصادية، بل تقييم لانهيار محتمل في البنية المالية للولايات المتحدة.
ورغم الإنكار الساخر، تكشف الأرقام والمؤسسات المالية خلاف ذلك، إذ اتهم ماسك مشروع الإنفاق الحكومي بـ “الإسراف”، مؤكدا أن العجز لم يعد يُقاس سنويا فقط، بل يتسارع بمعدل يظهر كل شهرين، وربما شهريا قريبا، واللافت أن هذا التصعيد لم يصدر عن خصم سياسي أو محلل نقدي، بل من أحد أعمدة رأس المال الأمريكي المنخرط مباشرة في سوقي الدين والأسهم، مما يمنح التصريح وزنا يتجاوز الفرد ويصيب المؤسسة.
وتتفاقم الأزمة مع توقع مكتب الميزانية في الكونغرس (CBO) في تقرير فبراير 2024 بأن يبلغ العجز الفيدرالي 2.6 تريليون دولار سنوياً بحلول 2030، بينما ستصل فوائد الدين العام إلى 1.6 تريليون دولار، وهذا يشير إلى اختلال هيكلي يهدد الوظيفة الأساسية للدين العام كأداة قوة واستقرار.
كما عزز تحذير رئيس بنك JPMorgan، جيمي ديمون، في منتدى ريغان الاقتصادي أواخر مايو 2025، المخاوف، حيث أكد أن البلاد تقترب من “جدار مالي” قد تفرض الأسواق على إثره “تصحيحاً قاسياً” في غياب إصلاح سياسي، فيما سبق ذلك تصريح لوزير الخزانة الأسبق لورانس سمرز، أكد أن الولايات المتحدة تقترب من “عجز غير قابل للتمويل” ما لم تُضبط منظومة الضرائب والإنفاق فورا.
وفي ظل تصاعد هذه المخاطر، تتعقد المعضلة حين يتدخل الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة إلى مستويات غير مسبوقة منذ 2020، مما يزيد عبء الفوائد على الدين القائم، بينما تضطر وزارة الخزانة إلى تسييل المزيد من أدوات الدين لسد الفجوة، وهذا التفاعل يمثل وصفة كلاسيكية لاختناق مالي داخلي لا تظهر عواقبه إلا بعد فقدان الدولة لمرونتها.
خارجيا، تتعامل القوى الاقتصادية الكبرى مع هذا الواقع بوصفه تحوّلا طويل الأمد في بنية الهيمنة المالية الأميركية، فقد خفضت الصين حيازاتها من السندات الأميركية من 1.1 تريليون دولار في 2021 إلى أقل من 770 مليارا في 2024، في إطار استراتيجية فك الارتباط بالدولار وتوسيع تسويات اليوان في بريكس وآسيا، وفي الوقت ذاته، يدفع الاتحاد الأوروبي نحو استقلال نقدي استراتيجي، ويدرس تنويع احتياطاته، فيما أسست روسيا نموذج تسعير خارج المنظومة الدولارية، وتتبنى دول أخرى نهجا تحوطيا أكثر حذرا بتقليص انكشافها على أدوات الدين الأميركية وتنويع محافظ صناديقها السيادية.
لا شك أن المسألة قد دخلت حيز أزمة ثقة في قدرة الدولة على الحفاظ على وظيفتها السيادية في الإنفاق والتسديد والتوجيه، فالأمر لا يتعلق بالعجز كمقدار رقمي فحسب، بل بكفاءة النظام الأميركي ذاته في إدارة دينه ومؤسساته، فهل كان ماسك مجنونا كما يزعم ترمب، أم قارئا دقيقا للحظة الإفلاس؟.
السؤال لم يعد عن ماسك، بل عن من بقي يملك رفاهية الإنكار، فالعجز لم يعد رقما قابلا للضبط، بل صار علامة على انهيار المبدأ الذي أسس للهيمنة منذ بريتون وودز 1944، وميزان الثقة الذي بدأ يتهاوى منذ أن توقفت الأسواق عن التصفيق وبدأت تعد الثواني.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال