الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
مع تصاعد التوتر بين إسرائيل وإيران، تترقّب الأنظار ما إذا كانت الضربات الجوية قد تطال محطة بوشهر النووية المطلة على الخليج العربي. ورغم حساسية الموقع وخطورة الاحتمال، بقيت بوشهر حتى الآن بمنأى عن الاستهداف. فهل كان ذلك قرارًا استراتيجيًا لتجنّب كارثة بيئية محتملة؟ وهل يمكن أن نشهد تكرارًا لمأساة فوكوشيما أو تشيرنوبيل في قلب الخليج العربي؟
هل تكرّر بوشهر سيناريو فوكوشيما في قلب الخليج؟
الخطر الإشعاعي لا يعترف بالحدود، كنت شاهدًا على كارثة فوكوشيما النووية في عام 2011، حين كنت أقود تسويق “أرامكو السعودية” في آسيا والمحيط الهادئ من مقرها في طوكيو. رأيت كيف تسرب الإشعاع ليصل إلى مياه الشرب في العاصمة، على بُعد نحو 220 كيلومترًا من موقع الكارثة. ورغم أن الرياح ساعدت في تقليل مستوى التلوث، إلا أن حالة الهلع كانت واسعة النطاق.
لهذا، فإن مجرد التفكير في استهداف مفاعل بوشهر القريب من مدن كبرى في الخليج العربي يجب أن يدفعنا إلى تقييم المخاطر من زاوية إنسانية واستراتيجية أشمل.
دروس فوكوشيما يجب أن تبقى حيّة، فالتجربة اليابانية تؤكد أن الاستعداد وحده لا يكفي، إذ قد تقع الكارثة رغم كل الإجراءات، وأن الإشعاع لا يعترف بالحدود السياسية أو الجغرافية، وأن آثار الكارثة قد تمتد لعقود بيئيًا وصحيًا واقتصاديًا. لذلك، يتعين تعزيز منظومات الإنذار والرصد الإشعاعي، ووضع خطط طوارئ مشتركة لمحاكاة سيناريوهات التسرب.
بوشهر النووية: منشأة مدنية بخطر إشعاعي عابر للحدود
محطة بوشهر النووية حتى وإن كانت منشأة مدنية لتوليد الكهرباء تعمل بوقود منخفض التخصيب وتخضع لإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وقد بُنيت بدعم روسي، وتتمتع بغلاف احتواء فولاذي ونظام تبريد مزدوج.
لكن المحاكاة الجغرافية قد تُظهر أن أي تسرّب إشعاعي منها قد يصل إلى العمق الإيراني ومدن خليجية، خصوصًا في ظل ظروف جوية مواتية. ما يعني أن الخطورة لا تقتصر على إيران وحدها، بل قد تشمل دولًا مجاورة في آنٍ واحد.
الدروس التقنية ماذا تُخبرنا عن فوكوشيما وتشيرنوبيل؟
لفهم حجم المخاطر المحتملة، من المهم العودة إلى أبرز كوارث المحطات النووية التي شكّلت نقاط تحول في التاريخ الحديث للمحطات النووية:
– تشيرنوبيل (1986): مفاعل سوفييتي قديم يفتقر لغلاف الأمان، أدى فيه خطأ تشغيلي إلى انفجار تسبب بتلوّث واسع امتد إلى كامل أوروبا الشرقية.
– فوكوشيما (2011): زلزال وتسونامي عطّلا نظام التبريد في مفاعل حديث التصميم، ما أدى إلى انصهار نووي وتسرب إشعاعي واسع النطاق، رغم وجود أنظمة أمان متعددة.
– بوشهر: يفترض أن تصميمها هو الأحدث مما سبق وان غلافها الفولاذي يجعلها أكثر تطورًا، ولكنها لم تُصمَّم لتحمّل ضربة عسكرية مباشرة، ما يضعها تحت تهديد من نوع مختلف تمامًا.
تجنّب استهداف محطة بوشهر: قرار استراتيجي لتفادي كارثة إقليمية
تجنّب استهداف محطة بوشهر حتى الآن قرار محسوب لتفادي كارثة إقليمية محتملة. فقد حال هذا القرار حتى الآن دون وقوع ما قد يكون أسوأ تسرّب إشعاعي في تاريخ المنطقة.
ورغم أن البعض قد يرى بوشهر محطة آمنة، فإن تاريخ الطاقة النووية يثبت أن الكوارث لا تحدث فقط بسبب عيوب في التصميم، بل نتيجة عوامل خارجة عن السيطرة مثل الكوارث الطبيعية، الأخطاء البشرية، أو حتى العمليات العسكرية.
لقد أثبتت كل من كارثتي تشيرنوبيل وفوكوشيما أن المفاعلات النووية، سواء كانت مدنية أو عسكرية، تتحول إلى نقاط ضعف خطيرة في حالات الحروب أو الأزمات.
ورغم أن بوشهر ربما قد تكون مجهزة بتصميم حديث، فإنها لا تشكّل استثناءً من هذه القاعدة. بل إن موقعها الجغرافي يجعل من استهدافها خطرًا مضاعفًا، لقربها من الخليج العربي شبه المغلق، ومن المدن الساحلية المكتظة بالسكان.
الخليج العربي، كونه بحرًا شبه مغلق، يجعل من أي تسرّب إشعاعي كارثة مركّبة، حيث تتضاعف آثار التلوث على صحة الإنسان، والبيئة، والملاحة البحرية، وصناعة الطاقة الإقليمية.
ستبقى بوشهر هدفًا محتملاً في أي تصعيد عسكري قادم، ولذلك يجب أن يتجاوز الاستعداد حدود الجغرافيا والسياسة، لأن الإشعاع لا يعترف بأيٍ منهما.
مفارقة نووية: خطر كارثي مقابل مردود كهربائي هزيل
من اللافت أن كل هذا الخطر الإشعاعي المحتمل يتمحور حول مفاعل لا ينتج سوى 1,000 ميغاواط أي أقل من %2 من احتياجات الكهرباء في إيران، ويمكن تأمينه من مصادر تقليدية أو متجددة أقل كلفة وأعلى أمانًا. فهل من المنطقي أن نضع الخليج العربي بأكمله تحت تهديد كارثة نووية من أجل إنتاج كهرباء يعادل ما تولّده محطة طاقة غازية أو طاقة شمسية؟
إن استمرار تشغيل هذا المفاعل في منطقة جغرافية شديدة التوتر لا يُعد خيارًا اقتصاديا ولا حتى استراتيجيًا، بل عبث وعبئ أمني وبيئي غير مبرر، يُعرّض ملايين السكان والمنشآت الحيوية في دول الخليج لخطر يفوق بكثير كل ما يمكن أن تقدمه بوشهر من فائدة كهربائية محدودة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال