الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تناولت في مقال سابق نشر في صحيفة مال بعنوان “هل هناك أهمية اقتصادية لمضيق هرمز لدول الخليج” أهمية هذا الممر المائي الحيوي وانعكاساته على الاقتصادات الخليجية ومن بينها الاقتصاد السعودي.
واليوم مع تصاعد التوترات الإقليمية والجيوسياسية في منطقة الخليج خلال 2025 تعود أهمية طرح الموضوع من جديد في ضوء المستجدات العالمية وتأثيرها الأوسع على الاقتصاد السعودي والعالمي بشكل أكثر تعقيداً وترابطاً.
يعد مضيق هرمز أحد أخطر النقاط الجغرافية وأكثرها حساسية في الاقتصاد العالمي حيث تمر عبره بحسب إدارة معلومات الطاقة الأمريكية لعام 2024 ما يقارب 20 مليون برميل من النفط يومياً وهو ما يشكل ما يقارب 30% من إجمالي تجارة النفط البحرية العالمية إضافة إلى مرور حوالي 35% من تجارة الغاز المسال العالمية عبر هذا المضيق الحيوي.
وتعتمد السعودية بشكل مباشر على هذا المعبر البحري الحيوي لتصدير جزء كبير من إنتاجها النفطي نحو الأسواق الآسيوية والأوروبية حيث تشكل العوائد النفطية النسبة الأكبر من إجمالي دخل المملكة بالرغم من جهودها الحثيثة في تنويع الاقتصاد ضمن رؤية 2030.
تتصاعد خطورة هذا الموقع مع التهديدات الإيرانية المتكررة بإغلاق المضيق جزئياً أو كلياً. في حال تنفيذ أي إغلاق فعلي أو تعطل الملاحة بشكل محدود يتوقع بنك جي بي مورغان أن ترتفع أسعار النفط إلى مستويات قد تصل إلى 130 دولاراً للبرميل وهي مستويات من شأنها دفع أسواق الطاقة العالمية إلى حالة من الاضطراب السعري يصعب على الحكومات التحكم فيه في المدى القصير والمتوسط.
هذا الارتفاع الحاد في الأسعار سينعكس بصورة مباشرة على أسواق الوقود حول العالم حيث تشير تقديرات الاقتصاديين في السوق الأمريكية أن أسعار البنزين قد ترتفع بنسبة 17% مما يعيد التضخم في الولايات المتحدة إلى مستويات حرجة تفوق قدرة الفيدرالي الأمريكي على معالجتها عبر خفض معدلات الفائدة التي يعتمدها اليوم في إطار استهدافه لمستوى التضخم عند 2%.
وفي حال بقاء الأسعار مرتفعة لعدة أشهر فإن ذلك سيدفع الفيدرالي الأمريكي لرفع أسعار الفائدة بشكل متواصل مما يهدد بتباطؤ اقتصادي عالمي واسع النطاق قد ينعكس على سلاسل الإمداد المالية والتجارية برمتها.
أما بالنسبة للاقتصاد السعودي فإن هذا الارتفاع الأولي في أسعار النفط قد يعزز عائدات الحكومة مؤقتاً لكنه يحمل مخاطر طويلة الأمد في حالة تذبذب الأسواق وارتفاع تكاليف الاستيراد والسلع والخدمات العالمية مما يؤدي إلى تضخم داخلي غير مرغوب في بيئة اقتصادية تسعى المملكة فيها لضبط معدلات التضخم والسيطرة على تكلفة تمويل مشاريع التنويع الاقتصادي.
كما أن اي توسع في النزاع الحالي – لا سمح الله – قد يضعف من جاذبية المنطقة للاستثمار الأجنبي الذي يعتمد في قراراته الاستثمارية على استقرار بيئة الأمن البحري والمالي والتجاري، مع التأكيد ان المملكة ولله الحمد وفي ظل قيادتها الرشيدة- حفظهم الله – الاخف ضررا بحكم اقتصادها ومساحتها وجاذبيتها.
حيث نجد أن المملكة خلال السنوات الماضية سعت بشكل استباقي إلى تطوير موانئ بديلة على ساحل البحر الأحمر في ينبع وجدة كجزء من تقليل الاعتماد الاستراتيجي على المضيق إلا أن مضيق هرمز يبقى مع ذلك نقطة ضعف بنيوية في منظومة نقل الطاقة الخليجية يصعب تجاوزها بالكامل
كما عملت السعودية ضمن تحالفاتها الخليجية والدولية على تكثيف الجهود البحرية في تعزيز أمن المضيق بالتعاون مع الأسطول الأمريكي والقوى البحرية المشتركة المتمركزة في الخليج لتأمين حرية الملاحة ومنع محاولات الابتزاز الجغرافي للطاقة.
ويؤكد هذا السيناريو من جديد مدى حساسية العلاقة العميقة بين الطاقة والجغرافيا في الخليج حيث يتحول كل تصعيد أمني في منطقة ضيقة جغرافياً مثل مضيق هرمز إلى أزمة طاقة عالمية مفتوحة تنعكس مباشرة على النمو والاستقرار الاقتصادي.
أخيراً في ظل استمرار التطورات الجيوسياسية فإن مضيق هرمز سيظل لعقود قادمة يشكل عنق الزجاجة الأكبر في أمن الطاقة العالمي وسيبقى واحداً من أعقد أدوات التأثير المتبادل بين السياسة والاقتصاد في العالم كله.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال