الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
عندما ينوي المنظم إصدار قانون جديد، فيكون ذلك نابعًا من حاجة عملية تتمثل إما بالفراغ التشريعي أو بالنقص في التشريع القائم. وتظهر العديد من التساؤلات: كيف يتم اكتشاف هذا الفراغ أو العيب التشريعي؟ وكيف يمكن التعامل معه؟ ما هي صورة التشريع المثالية لرأب الصدع وملء الفراغ؟ من يخطط للغاية التشريعية المثلى التي تحقق التوافق بين المصلحة الخاصة والمصلحة العامة؟
هذه الأسئلة هي التي تثبت غموض البدايات في العملية التشريعية؛ ذلك الغموض الذي يجعل نجاح العملية بأكملها على المحك. أما الإجابة عن هذه الأسئلة فهي أن الجهة المسؤولة عن بدايات مرحلة التشريع، هي المكتب الذي يخطط للتشريعات؛ وذلك من محورين، وهما: اكتشاف الحاجة للتشريع، ثم وضع الصيغة الأمثل لتحقيق الحاجة التشريعية.
وهنا مازلنا نتحدث عن “البدايات”؛ أي اللحظات الأولى لولادة أي تشريع، أما على صعيد تقييم التشريع، سواء تقييم مشروعه أم تقييمه بعد صدوره وتطبيقه، فهي عملية قائمة بذاتها. وهكذا، يبدو لنا أن التشريع من حيث بداية صدوره، ثم تطبيقه والتعديل عليه، وأخيرا إلغائه، كل هذه العمليات تحتاج إلى “إدارة تشريعية”.
مكاتب إدارة التشريعات: غرف عمليات متكاملة للتخطيط والتقييم التشريعي
السلطة التشريعية هي الجهة المختصة بكل العملية التشريعية والمسؤولة عن جودتها، وتأخذ السلطة التشريعية في دول العالم صور عديدة، منها الصورة البرلمانية أو السلطة الدستورية الممنوحة لرئيس السلطة التنفيذية لإصدار التشريعات، أو السلطة المحلية في الدول الاتحادية التي تحظى فيها الأقاليم بسلطة إصدار تشريعات محلية، وغيرها من الصور. ودور هذه السلطة يقتصر في الغالب على عملية إصدار التشريع بعد اتخاذ القرار بشأنه من خلال التصويت أو المشاورة أو القرار التنفيذي الذي يأخذ صيغة المرسوم.
لكن هذا القرار مهما كانت صورته ودرجة اللامركزية فيه، فهو لا يعبر عن الجهة التي قامت بـ: “إدارة عمليات إعداد التشريع”، وبعدها: “إدارة عمليات جودة التشريع”. هذه المهام تُسند في عدد من الدول مثل المملكة المتحدة وكندا ونيوزلندا، إلى كيانات مستقلة أو متخصصة تُعرف باسم “مكاتب إدارة التشريعات” وهي تُشكّل بمثابة مكاتب متكاملة تُعنى بكافة مراحل العملية التشريعية، بدءًا من تخطيط السياسات التنظيمية، ومرورًا بتحليل البدائل وتنظيم المشاورات، وانتهاءً بصياغة النص، وتقييم أثره، وضمان قابليته للتطبيق، وجودته الفنية والتنظيمية.
نماذج مكاتب إدارة التشريعات
إن دور مكتب إدارة التشريعات يتجاوز مسألة تحقيق الجودة التشريعية، إلى “إدارة الجودة التنظيمية الشاملة” للمنـظومة التشريعية في الدولة. ولكن نماذج مكاتب إدارة التشريعات تختلف من دولة لأخرى، ولا تقوم على صورة موحدة، بل تتباين بحسب طبيعة تركّز مهام هذا المكتب ومحاور تدخّله. ويمكن تصنيف أبرز صور مكاتب إدارة العمليات التشريعية في العالم وفقًا لنطاق تركّز عملياتها على النحو الآتي:
وفي ضوء هذه التصنيفات، تظهر الحاجة إلى تبني نموذج سعودي يتناسب مع طبيعة البنية الإدارية للجهات الحكومية، ويُراعي الأدوار المتداخلة في المنظومة التشريعية لهيئة الخبراء بمجلس الوزراء، والمركز الوطني للتنافسية، والوزرات الحكومية، مع تعزيز مفهوم “الإدارات اللامركزية للتشريع” داخل الأجهزة الحكومية.
تتولى هيئة الخبراء بمجلس الوزراء في المملكة العديد من المهام التي تضطلع بها مكاتب إدارة التشريعات في النماذج العالمية. وبالتالي، فإن إنشاء مكتب مركزي لإدارة التشريعات لا يُعد ضرورة ملحّة في التجربة السعودية. غير أن الشكل الأكثر أهمية والذي لا يزال مغيّبًا عن التصوّر هو وجود “مكاتب إدارة التشريعات اللامركزية” داخل كل جهة حكومية على حدة، وهي الوحدات التي تُعنى بإدارة وتطوير التشريعات الخاصة بالقطاع المعني، من حيث إعدادها، ومراجعتها، وتقييم أثرها، ومتابعة تنفيذها. وتكمن أهمية هذا المكاتب في أنها تعزز كفاءة العمل التشريعي، وتُمكّن الجهات من التفاعل المباشر مع السياقات التنظيمية والتشغيلية الخاصة بها.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال