الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
طرحت الهيئة العامة للعقار مشكورة بتاريخ 27 مايو 2025م عبر منصة “استطلاع”، مسودة مشروع نظام فرز وملكية الوحدات العقارية وإدارة المناطق المشتركة، في خطوة تطويرية لتشريعات ملكية الوحدات وفرزها وإدارتها، ويمثل تطورًا مهمًا في حوكمة القطاع العقاري وتعزيز دوره في تنظيم العلاقة بين ملاك الوحدات العقاري ذات الملكية المشتركة وكذلك بين المُلاك في المناطق المشتركة، ويُشكر للهيئة العامة للعقار استجابتها للتطورات السريعة في إعادة طرح مشروع نظام يُعالج الكثير من التحديات القائمة في التطبيقات العملية للنظام الحالي الصادر عام 1441هـ/ 2020م.
وبما ان مشروع النظام مطروح على منصة استطلاع بهدف جمع الآراء نحو وجود نظام يساعد الهيئة على القيام بمهامها بما يعزز القطاع بشكل اكبر، فليسمحوا لي ان اعرض وجهة نظري في هذا المقال وعبر صحيفة مال فقد يكون في هذه الآراء ما يساعدهم على خروج النظام وفق ما يصبون اليه فربما تُحفز هذه الآراء آخرين ليدلوا بدلوهم سواء بشكل عام او بشكل مباشر للهيئة وفي كل الحالتين استطلاع الآراء شيء مهم للهيئة.
إن من أبرز التحديات التطبيقية في إدارة جمعيات الملاك الواقعة منذ تطبيق النظام الحالي تكمن في ضعف إعداد النظام الأساس للجمعيات، والاعتماد على النماذج دون مراعاة لاختلاف طبيعة الوحدات العقارية المشتركة، بالإضافة إلى ضعف كفاءة إدارة الجمعيات العامة وعدم وجود آلية لضبط صياغة محاضر الجمعيات وتوثيقها، فضلا عن عدم ضبط النصاب القانوني في اتخاذ القرارات مما يسبب صعوبات في اعتماد قرارات الجمعية العامة المتعلقة بمبلغ الاشتراكات كسندٍ تنفيذي في مواجهة أعضاء الجمعية العامة، وهو ما تكرر في مشروع النظام بغياب ضوابط مفصلة لكيفية انعقاد الجمعيات العمومية للملاك، مما يؤدي إلى صعوبات في إدارة مركز قرار جمعيات الملاك، وضعف الصياغة القانونية، وتضارب المصالح، فضلا عن الطعون المستمرة في أهلية الإدارة، ولأن من أغراض الهيئة العامة للعقار العمل على تنظيم النشاط العقاري غير الحكومي والإشراف عليه وتطويره ورفع كفاءته، وتشجيع الاستثمار فيه بما يتفق مع أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
أرى ان مشروع النظام الجديد، ولأول مرة، يُحمّل الهيئة العامة للعقار مهامًا تنفيذية وتشغيلية تتجاوز نطاق دورها الإشرافي والتنظيمي المنصوص عليه في تنظيمها، مما يتطلب التوقف عنده ومراجعته بعناية، ومثال ذلك منصوص الفقرة الأولى من المادة (12) من مشروع على أنّ (تنشئ الهيئة جمعية الملاك لكل عقار مشترك عند فرزه…)، ثم النص في الأحكام الانتقالية على (على الهيئة إنشاء جمعية الملاك لجميع العقارات المشتركة قبل نفاذ أحكام هذا النظام خلال مدة 180 يوماً.( دون أن ينتظر طلب الملاك أو يشترط تحقق متطلبات تأسيس، مما جعل المسؤولية في الانشاء أُلقيت على الهيئة بدلا عن الملاك أنفسهم، وهو ما يعاكس النص النظام الحالي (إذا بلغ عدد ملاك الوحدات العقارية المفرزة في عقار مشترك ثلاثة فأكثر؛ فعليهم أن يؤسسوا جمعية بينهم لإدارة شؤون ذلك العقار، وتسجيل تلك الجمعية لدى الهيئة).
كذلك نص مشروع النظام على عمل تنفيذي آخر للهيئة في الفقرة الخامسة من المادة) (12) تنشئ الهيئة المنصة الإلكترونية الموحدة لإدارة شؤون جمعيات الملاك، وتشرف عليها، ولا يجوز إجراء أي عمل خارجها) وهو نص قاطع يسند إدارة شؤون جميعات الملاك للهيئة، والواجب أن تكون المنصة مخصصة لاستقبال طلبات تسجيل الجمعيات، وتنظيم طلبات الجمعيات واستقبالها وغيرها من الاعمال التنظيمية لا الأعمال التشغيلية والمحصورة عبر منصة الهيئة، فضلًا عن تعارض هذا النص مع مبدأ تمكين القطاع الخاص والمنصوص عليه في المادة (12) من النظام الحالي (تتولى الهيئة تسجيل جمعيات الملاك، وتنظيم أعمالها، وتحدد اللائحة الإجراءات اللازمة لذلك. وللهيئة إسناد بعض أنشطتها في هذا الخصوص إلى القطاع الخاص.)
وحيث أن تحول الهيئة العامة للعقار لدور تشغيلي يخالف أغراضها التنظيمية والإشرافية، ويقلل من الآثار المالية والاقتصادية والوظيفية المتوقعة المباشرة وغير المباشرة التي قد تنتج عنها من أثر على القطاع الخاص وفقا لما نصت عليه الضوابط المطلوب مراعاتها عند إعداد ودراسة مشروعات الأنظمة واللوائح وما في حكمها الصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم (713) وتاريخ 30/11/1438هـ وكافة تعديلاته، فإننا نرى أهمية أن يتضمن مشروع النظام الآتي:
أولا: أن تكتفي الهيئة بالأعمال الإشرافية والتطويرية وألا تتحمل مسؤوليات تشغيلية أو تنفيذية، وأن تنقل عبئ إنشاء جمعية الملاك لجميع العقارات إلى الملاك أنفسهم، ويكون دور الهيئة في التفتيش والرقابة على عدم الالتزام وإيقاع العقوبات الملاقية لكل مخالفة.
ثانيا: تصنيف جميعات الملاك بحسب حجمها، سواء كان الحجم مبني على عدد الوحدات العقارية، أو على إجمالي قيمة اشتراكات الجمعية، وبناء عليه تقوم الهيئة بوضع المتطلبات النظامية لتسجيل كل جمعية ملاك، وأن تُفرق الهيئة في متطلبات الجمعيات الكبير والمتوسطة والصغيرة، مثلما هو منصوص في اللائحة التنفيذية الحالية بأنه على جمعية الملاك تعيين مراجع حسابات مرخص له إذا كان العقار المشترك أو المجمع العقاري يتضمن 100 وحد عقارية مفرزة فأكبر، أو إذا كان حجم موجودات جمعية الملاك تتجاوز مليون ريال.
ثالثا: لضمان حماية الحقوق النظامية لجميع الملاك، وتعزيز مبدأ الحياد والاستقلال في صناعة القرار داخل الجمعية العامة، يجب إسناد إعداد النظام الأساس وإثبات مداولاتها القانونية إلى جهة قانونية مؤهلة متمثلة في محامٍ مرخص، لما لذلك من أثر مباشر في تعزيز الشفافية، والالتزام، وتقليص فرص الطعون والنزاعات.
وكل هذا يُسهم في تعزيز دور النظام في تحقيق الآثار المالية والاقتصادية والاجتماعية من حيث تمكين القطاع الخاص، وخلق فرص عمل ووظائف قانونية، وتنمية تخصصات قانونية جديدة، وتعظيم المحتوى المحلي، بالإضافة إلى الآثار الاجتماعية من تعزيز الثقة المجتمعية وحماية حقوق الملاك، ويقلل من النزاعات ويرفع كفاءة وجودة الحياة السكانية المجتمعية المشتركة.
وفي سياق دعم هذا التوجه، تشير التجارب التنظيمية الرائدة، كما ورد في المذكرة التوضيحية الصادرة عن الهيئة، إلى أن الدول المقارنة – مثل المملكة المتحدة، سنغافورة، أستراليا، والولايات أمريكية مثل فلوريدا – إلى نمط مشترك في إسناد المهام القانونية الجوهرية في جمعيات الملاك إلى جهات قانونية مؤهلة، أبرزها المحامون المرخّصون، ففي المملكة المتحدة، يشترط قانون Commonhold أن يتم إعداد بيان المجتمع عبر محامي، فيما تُلزم سنغافورة في قانونها Building Maintenance and Strata Management بأن تُصدر الوثائق القانونية للجمعيات من قبل مكتب قانوني معترف به. أما القانون في أستراليا Strata Schemes Management ، فالقانون يضع متطلبات شكلية في إعداد الوثائق التأسيسية تؤكد أهمية الاستعانة بمحامٍ معتمد، لضمان قانونية تنفيذها. وتُقر ولاية فلوريدا الأمريكية في قانونها Chapter 720 – Homeowners’ Associations بضرورة تدخل المحامي في صياغة الأنظمة الأساسية ومحاضر الاجتماعات الخاصة بجمعيات الملاك، هذه الممارسات المقارنة توضح بجلاء أن إشراك المحامين المرخصين في إعداد النظام الأساسي لجمعيات الملاك وتوثيق قراراتها ليس ترفًا تنظيميًا، بل هو ركيزة قانونية لضمان استقرار العلاقة التعاقدية بين الملاك، وتعزيز الشفافية، وحماية الحقوق، والمقصود ليس إشراك المحامين لمجرد الصفة، بل لضمان أن تُعد الأنظمة والوثائق التأسيسية للجمعيات وفق أصول قانونية تعزز حجيتها وتقلل من المنازعات القضائية.
إن الوصول إلى بيئة عقارية مستقرة يتطلب بنية قانونية احترافية في كل مرحلة، تبدأ من صياغة النظام الأساسي، مروراً بإدارة أمانات سر الجمعيات، وتنتهي بإثبات قرارات الجمعية العامة، وإسناد هذه المهام إلى جهة مؤهلة قانونيًا، ليس ترفًا تنظيميًا بل خطوة إصلاحية تُحقق مقاصد التنظيم، وتُرسخ قواعد حوكمة عقارية متوازنة وفعالة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال