الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تحت ظلال طموحات رؤية 2030، التي وضعت السكن كأحد الحقوق الأساسية لكل مواطن، برز التمويل العقاري السكني كأداة رئيسية لتحقيق هذا الهدف، فكان مؤشره يقاس بدقة كل شهر، صعودًا وهبوطًا.
إلا أن بيانات البنك المركزي السعودي الصادرة مؤخرًا، حملت إشارة تستحق الوقوف عندها، بعدما سجّل التمويل العقاري السكني الجديد للأفراد تراجعًا بنسبة 4% في شهر مايو 2025 مقارنةً بنفس الشهر من العام السابق، ليبلغ إجمالي التمويل 7.4 مليارات ريال.
وعلى الرغم من توقيع 10 آلاف عقد خلال الشهر، إلا أن متوسط قيمة العقد الواحد انخفض هو الآخر إلى 741 ألف ريال، في تراجع بنسبة 2% مقارنة بمستواه في مايو 2024، ما يعكس حالة من التباطؤ المتسلسل تستحق التأمل.
الواضح ان التراجع في التمويل، يأتي في المقام الاول، استجابة من المهتمين بالشراء لسلسلة التوجيهات التنظيمية المهمة التي وجّه بها سمو ولي العهد نهاية رمضان الماضي، والتي تهدف إلى إرساء توازن مستدام في القطاع العقاري، بعيدًا عن المضاربة والتضخم غير المبرر، حيث يترقب البعض تأثير هذه القرارات التنظيمية على السوق قبل ان يقدموا على الشراء.
لكن حقيقة ان التراجع في ظاهره قد لا يثير رقمه القلق، لكنه في سياقه يحمل دلالات عميقة، خصوصًا أنه يأتي في وقت ترتفع فيه أصوات المستهلكين حول ارتفاع تكاليف المعيشة وتآكل الرواتب أمام التضخم المتصاعد. فبينما تتجه أسعار السلع والخدمات للارتفاع، تظل الرواتب عند مستوياتها، ما يجعل قرار الدخول في التزام تمويلي طويل الأمد كشراء عقار، قرارًا مرهقًا ومحفوفًا بالمخاوف.
المواطن اليوم بات يزن خطواته الاقتصادية بعناية، وما كان يُعد بالأمس استثمارًا مأمونًا أصبح اليوم مخاطرة في ظل القسط العقاري المرتفع وارتفاع أسعار الفائدة العالمية، والتي انعكست بدورها على معدلات الإقراض في السوق المحلي.
الفجوة بين الطموح المالي والقدرة الفعلية تتسع، فالمواطن الذي يطمح لتملك فيلا يجد نفسه يعيد التفكير في شقة، ثم ربما يتحول إلى مستأجر مضطر. حتى الذين يملكون النية والدخل لشراء سكن، أصبحوا أكثر حذرًا وانتظارًا، فالمعادلة لم تعد مغرية كما كانت.
وإذا ما نظرنا إلى تفاصيل التوزيع، نجد أن الفلل لا تزال تستحوذ على الحصة الأكبر من التمويل المقدم، بنسبة 68% وبقيمة 4.99 مليار ريال، يليها الشقق بـ1.85 مليار ريال، ثم الأراضي بـ534 مليونًا، ما يكشف توجهًا مستمرًا لدى الأفراد نحو المنتجات الأعلى سعرًا، رغم الضغوط الاقتصادية.
هذا المشهد لا يمكن فصله عن تباطؤ منظومة الدعم السكني لبعض الشرائح، وغياب أدوات تمويل مرنة تواكب واقع الناس، خاصة فئة متوسطي الدخل. الأمر لا يقف عند حدود القروض أو الرهون، بل يتصل بتكلفة المعيشة اليومية، ومتطلبات الحياة، وحتى الثقة بالسوق العقارية في ظل الحديث عن تصحيحات متوقعة في الأسعار. وإذا استمر هذا التراجع في التمويل، فقد تجد السوق نفسها أمام حالة تباطؤ غير مرغوبة، تطال قطاعات مرتبطة مثل البناء، والنقل، والخدمات العقارية، وحتى البنوك نفسها.
الفرصة لا تزال قائمة لتدارك المشهد، لكنها تتطلب تدخلًا سريعًا. إعادة تصميم برامج الدعم، وتقديم باقات تمويل أكثر مرونة، وتشجيع خيارات سكنية منخفضة التكلفة، بالإضافة إلى إعادة تقييم شروط الفائدة والدفعة المقدمة، كلها خطوات لا بد منها لإنعاش السوق وضمان استمرار دوران عجلة التملك. فالمواطن لا يبحث فقط عن سقف يأويه، بل عن منظومة تمكّنه من التملك دون أن يُثقل بالديون أو يختنق في زحام الالتزامات.
الرسالة التي تحملها الأرقام واضحة: السوق العقارية بحاجة إلى تنشيط من الداخل، لا بمزيد من العروض التسويقية، بل بسياسات تمويل واقعية تتناغم مع ظروف الناس. فإذا أردنا أن نصل إلى هدف 70% تملك بحلول 2030، فالأرقام تحتاج إلى أكثر من الأماني، تحتاج إلى حلول.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال