الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في لحظة اقترابنا على متن الطائرة للهبوط في مطار الملك خالد الدولي بالرياض، أدهشني منظر المساحات الشاسعة من الأراضي البيضاء التي تنتشر بين أحضان العاصمة، التي تمثل ثروات كامنة تنتظر دورها في تعزيز الاقتصاد النابض والحيوي للمدينة.
هذه الأراضي البيضاء ليست مجرد بقع جغرافية على الخريطة، بل هي ذخيرة اقتصادية تحمل في طياتها أبعاداً تنموية ضخمة، وقد تعكس حالة من الجمود أو التردد في السوق العقاري. من هنا، يبرز الاعتقاد الإيجابي بأن ضبط مفهوم «الأراضي البيضاء» وتطوير آليات التعامل معها يمكن أن يشكل نقطة تحول حقيقية لهذا المورد الثمين.
جاء نظام رسوم الأراضي البيضاء مؤخرا متوافقا مع معطيات الزمن والمكان، مستهدفًا جميع الأراضي داخل النطاق العمراني في المملكة، ولكن الرياض تبدو الأكثر تأثرا نظرا لحجم سوقها العقاري. ومن وجهة نظري، فإن الأراضي البيضاء ليست السبب الوحيد لارتفاع الأسعار، لكنها عامل اقتصادي مؤثر إلى جانب عوامل أخرى مثل: الطلب المتزايد، وتكلفة البناء، والتمويل. ومعالجتها بأسلوب مدروس تساهم في تخفيف الضغط وتحقيق التوازن في السوق.
ومن الضروري أن تكون تعريفات النظام لمعوقات تطوير الأراضي واضحة ودقيقة؛ فالـ«مانع» يجب أن يكون ظرفًا قانونيًا مثبتًا بقرار قضائي أو جهة مختصة، لا مجرد عذر للتهرب. وكذلك «العائق» الفني أو التنظيمي لا بد أن يُوثق رسميًا ويُحدد زمن زواله، لضمان عدالة النظام وفعاليته في تحفيز التطوير الحقيقي لا الشكلي.
ولديّ قناعة بأن إيقاف رسوم الأراضي لا يجب أن يكون لمجرد بدء البناء أو تحركات شكلية، بل ينبغي ربطه بنسبة تطوير فعلية لا تقل عن 30% من مساحة الأرض، وفق معايير او تقارير هندسية معتمدة، بما يعزز جدية الملاك ويمنع الاستخدامات الصورية التي لا تخدم السوق. وفي السياق ذاته، فإن ربط إجراءات الإفراغ العقاري وتسوية الملكيات بسداد رسوم الأراضي البيضاء يعكس التزاماً اقتصادياً متكاملاً، يضمن استمرارية موارد النظام ويغلق الثغرات التي قد تُضعف تطبيقه.
أما من ناحية تعزيز الشفافية، فهي ضرورة اقتصادية لتحفيز الثقة بين الجهات المعنية والملاك. بنشر تقارير دورية تُفصّل أعداد الأراضي التي خضعت للرسوم، والمبالغ المحصلة، وحالات الإعفاء، وأثر ذلك على حجم المعروض، يخلق صورة واضحة وواقعية تعكس نجاح النظام أو تحدياته، مما يسمح باتخاذ خطوات تصحيحية مبنية على بيانات حقيقية.
وأخيرًا، وفي ظل تحديات السيولة لدى بعض الملاك، يُعد التفكير في حلول مبتكرة أمرا إيجابيا، مثل إنشاء صندوق عقاري تطويري بديل للرسوم، يحوّل الأراضي البيضاء إلى فرص تنموية. وقد يُطرح صندوق التنمية العقاري كأحد الخيارات، إلا أن من الأفضل أن يكون صندوقًا مستقلاً بإشراف وزارة الشؤون البلدية والإسكان، يتيح تقديم الأرض كحصة عينية وتطويرها مع ضمان أرباح للمالك، مما يحوّل التجميد العقاري إلى نمو اقتصادي ويشرك الجميع في مسيرة التنمية بدلًا من الاكتفاء بالعقوبات.
أعتقد ان إعادة ترتيب الأوراق لسوق العقار ضرورة لتخفيف الأثر العام على الأسعار، مع إيجاد حلول استراتيجية تخفف من التأثيرات العالمية عن السوق العقاري، وتخفف من حدة تقلباتها، لتحقيق استقرار وتنمية مستدامة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال