الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
صندوق الاستثمارات العامة السعودي اليوم هو العمود الفقري للتوجه الاقتصادي الاستراتيجي في السعودية. لم يعد دوره يقتصر على تكييف الإيرادات النفطية أو إدارة أصول الدولة. لكن أصبح محرك تنمية حقيقي يغيّر شكل الاقتصاد السعودي داخلياً وخارجياً في إطار خطوات واضحة نحو بناء اقتصاد متنوّع ومستدام بنهاية 2030.
الإنجاز الأبرز مؤخراً هو تصدر الصندوق لقائمة أفضل صناديق السيولة السيادية عالمياً في تصنيفات الحوكمة والاستدامة والمرونة (GSR) لعام 2025 حسب تقرير SWF Global محققاً تقييماً مثالياً 100% للعام الثالث على التوالي. هذا التصنيف يعكس التزام الصندوق بمعايير الشفافية الإدارية والممارسات الاستثمارية المسؤولة وهذا يعزز الثقة عند المستثمرين المحليين والدوليين.
من الناحية المالية تجاوزت قيمة أصول الصندوق أرقاماً تاريخية حيث ارتفعت 18٪ بنهاية 2024 لتصل إلى 4.321 تريليون ريال (~1.15 تريليون دولار.) رغم هذا النمو تراجعت الأرباح الصافية للصندوق بنسبة 60٪ في 2024 نتيجة ارتفاع تكاليف الاقتراض ومعدلات الفائدة العالمية والتضخم. حيث سجل الصندوق صافي ربح بلغ 25.8 مليار ريال مقارنة بـ64.4 مليار عام 2023 مع خسارة شاملة بلغت 140 مليار ريال عموماً. الصندوق حافظ على سيولة نقدية ثابتة (~316 مليار ريال) رغم ارتفاع الدين إلى 570 مليار ريال.
لذلك نرى أن منهج الصندوق في إدارة الأزمات هو مبني على الاستثمارات المدروسة بعيدة المدى. تصل نسبة الاستثمارات النوعية في الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة والبنية الرقمية والقطاع الترفيهي إلى 25% من إجمالي إيرادات 2024. وهذا يؤكد جهوده بدعم انتقال الاقتصاد السعودي من مراحل الصناعة التقليدية إلى اقتصاد المعرفة.
خارجياً وسّع الصندوق نشاطه في أكثر من 70 سوقاً عالمية تشمل أمريكا الشمالية وأوروبا وآسيا جاذباً استثمارات تقنية وزراعية وصحية واقتصاد أخضر. وشمل ذلك توقيع صفقات استثمارية بارزة مع كبار المستثمرين مثل Franklin Templeton و Neuberger Berman و Northern Trust ضمن اتفاقات تجاوزت 12 مليار دولار إضافة إلى مشاركته كأضخم مستثمر في صناديق تابعة لـ Goldman Sachs تستهدف منطقة الخليج.
على المستوى المحلي الصندوق ركز على استثمارات ضخمة في مشاريع Giga مثل نيوم والقدية ومشروع البحر الأحمر بالإضافة إلى تأسيس Expo 2030 Riyadh Co. المتوقع أن يضيف 64 مليار دولار للناتج المحلي وتوفير بنحو 171 ألف وظيفة. كما ساهم في تطوير البنية التحتية الرقمية والذكاء الاصطناعي من خلال إطلاقHumain التي تملك خططا لإطلاق صندوق رأس مال مغامر بقيمة 10 مليار دولار تستهدف دعم شركات ناشئة في الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا.
في الداخل ساهم الصندوق في تأسيس شركات وطنية لتعزيز المحتوى المحلي في قطاعات التقنية مثل Alat في الإلكترونيات الدقيقة وشركة Humain في تطوير أول نموذج لغوي عربي ضخم. هذا التحوّل يعكس استراتيجية واضحة لإنشاء منظومة مواطنة قادرة على المنافسة العالمية وتوليد القيمة المستدامة داخل المملكة.
على الرغم من التوسع تتبع الصندوق استراتيجية تمويل متنوعة. ففي 2025 أصدر صكوكًا بقيمة 1.25 مليار دولار وتمثل ثاني إصدار له في العام بنفس الأداة المالية وهذا يوضح حرصه على تعزيز مصادر السيولة وتخفيف الاعتماد على النفط.
من جهة ثانية يساهم الصندوق في بناء الشراكة العالمية بمستوى غير مسبوق. فهو أحد العوامل الأساسية في تعزيز الثقة بين السعودية والأسواق المالية الأمريكية من خلال جذب استثمارات من شركات كبرى وهذا يسهم في توفير بيئة أعمال دولية جاذبة وناضجة.
السياسات الحكومية تدعم التوجه الوطني للصندوق فـ60% من استثماراته تتركز داخل المملكة وتتعاون بشكل وثيق مع أكبر الكيانات المحلية مثل أرامكو وسابك. التمويل الداخلي يرتبط مباشرة بتنمية الاقتصاد الوطني ورفع جودة الحياة ويدعم المشاريع التنموية بتكامل متدرّج يسمح بقياس العوائد التنموية على المواطنين.
بالتكامل بين الطموحات المالية والتنموية يساهم صندوق الاستثمارات العامة في تعزيز تنافسية الاقتصاد السعودي وتأسيس جاذبية استثمارية مستمرة للأسواق العالمية. وبموازاة التعديلات المالية العالمية يُعد الصندوق رأس حربة في التكيف مع التغيرات الخارجية مثل تقلبات أسعار الفائدة وتحولات الأسواق المالية.
أخيراً صندوق الاستثمارات العامة يتحوّل من جهة مالية تقليدية إلى منظومة استثمارية استراتيجية تنسجم مع الأهداف التنموية للمملكة. ومع توطيد دعائمه داخلياً وتوسيع انتشاره عالمياً يتبوأ موقعاً قيادياً يساهم في رسم مستقبل المملكة الاقتصادي ويعزز ريادتها على مستوى المنطقة والعالم.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال