الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تشير تقديرات شركة “وود مكنزي” إلى أن السعودية قد تستهلك ما بين 465,000 و470,000 برميل من النفط الخام يوميًا لتوليد الكهرباء في صيف عام 2025، ، خلال فترة تمتد لنحو 120 يومًا. هذا يعني أن المملكة قد تحرق أكثر من 56 مليون برميل من النفط فقط لتلبية الطلب المحلي على الكهرباء، وخاصة لتشغيل أجهزة التكييف مع اشتداد حرارة الصيف.
هذا الاستهلاك ليس مجرد مسألة فنية، بل له أبعاد اقتصادية بالغة الأهمية. فغالبًا ما يُباع النفط المستخدم في السوق المحلي بأسعار مدعومة تقل كثيرًا عن الأسعار العالمية. ولو أن هذه الكمية من النفط وُجهت إلى التصدير بسعر تقريبي يبلغ 74 دولارًا للبرميل، لكان بإمكان المملكة تحقيق إيرادات تتجاوز 4.17 مليار دولار خلال فصل الصيف وحده.
ورغم أن هذا الواقع يعكس تحديات آنية تتعلق بتوازن السوق، وأسعار الوقود، ودور المملكة القيادي في تحالف “أوبك+”، إلا أنه يسلّط الضوء أيضًا على فرصة اقتصادية ضائعة يمكن استغلالها عبر تسريع التحول في قطاع الطاقة. فبدلًا من حرق النفط لتوليد الكهرباء، يمكن استبداله بمصادر الطاقة المتجددة، الأمر الذي يوفر الخام للتصدير ويعزز من الإيرادات غير النفطية للدولة.
تشكل استراتيجية التحول في قطاع الطاقة أحد المحاور الجوهرية في رؤية السعودية 2030، والتي تهدف إلى أن تشكّل الطاقة المتجددة 50% من مزيج الكهرباء بحلول عام 2030. ويأتي هذا الطموح في وقت لا تزال فيه المملكة تعتمد بشكل كبير على الغاز (59%) والنفط (40%)، فيما لا تتجاوز مساهمة الطاقة المتجددة 1% حتى نهاية 2023.
في هذا السياق، يصبح تسريع التحول نحو الطاقة النظيفة ليس فقط خيارًا بيئيًا، بل استراتيجية اقتصادية ذكية. فإذا تمكنت المملكة من تقليص نصف كمية النفط المحروق حاليًا، يمكنها تحقيق ما يزيد عن 2 مليار دولار في صيف واحد. أما إذا أوقفت حرق النفط بالكامل لتوليد الكهرباء، فإن العوائد السنوية المحتملة قد تصل إلى نحو 27 مليار دولار، وهو رقم يقارب حجم العجز السنوي في الميزانية.
ولا تتوقف المكاسب عند هذا الحد، إذ يُعد التحول نحو الطاقة المتجددة أيضًا فرصة لمعالجة تحديات البطالة. فقد أثبتت التجارب الدولية أن قطاع الطاقة المتجددة يوفر فرص عمل أكبر بكثير من نظيره القائم على الوقود الأحفوري، لاسيما في مجالات البناء، والتركيب، والتشغيل، والصيانة. ووفقًا للوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA)، وفرت الطاقة الشمسية الكهروضوئية وحدها أكثر من 7.1 مليون وظيفة حول العالم في عام 2023.
وتشير الدراسات إلى أن كل مليون دولار يُستثمر في الطاقة المتجددة يخلق فرص عمل تزيد بنسبة تتراوح بين 1.5 إلى 2.8 ضعفًا مقارنة بالاستثمار في الوقود الأحفوري. كما أن مشاريع الطاقة المتجددة تُعد بديلًا واعدًا يفتح آفاقًا كبيرة في التصنيع والتشغيل الفني، خاصة في المراحل الدائمة مثل الصيانة والتشغيل المستمر.
إن نجاح التحول الطاقي في السعودية يتطلب، إلى جانب الاستثمارات الضخمة في البنية التحتية، سياسات داعمة مثل برامج التدريب المهني، وتوطين سلاسل التوريد، وتفعيل سياسات “السعودة” في قطاع الطاقة الخضراء. بهذا الشكل، يمكن للمملكة أن تحوّل هذا التحدي المناخي والاقتصادي إلى فرصة تنموية شاملة، تحقق من خلالها استدامة بيئية، ونموًا اقتصاديًا، وفرص عمل لمواطنيها.
بعبارة أخرى، لم تعد القضية محصورة في المفاضلة بين النفط أو الطاقة الشمسية فحسب، بل أصبحت تتعلق بكيفية توظيف مورد ثمين مثل النفط: هل يُستهلك محليًا لتوليد كهرباء مدعومة، أم يُصدّر لتعزيز الإيرادات المالية للمملكة؟ في المقابل، يشكّل الاستثمار في قطاع الطاقة المتجددة، الذي يشهد صعودًا عالميًا، فرصة لتقوية أمن الطاقة، وتوفير فرص عمل محلية، وزيادة متانة الاقتصاد الوطني. ومع استمرار التوسع في مشاريع الطاقة المتجددة، تقف السعودية اليوم أمام فرصة تاريخية لتحويل هذه التحديات مكاسب استراتيجية طويلة الأجل.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال