الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لم تكن الندوة الدولية التاسعة لمنظمة أوبك مجرد اجتماع آخر لوزراء الطاقة وقادة الصناعة. لقد كانت لحظة فاصلة في مسار التحول العالمي للطاقة. للمرة الأولى، اجتمع قادة الوقود الأحفوري مع مؤيدي الطاقة المتجددة ودعاء تغير المناخ على منصة واحدة، في اعتراف غير مسبوق بضرورة انتهاج مسار انتقالي واقعي وشامل للطاقة. هذا التقارب لم يكن وليد المصادفة، بل جاء نتيجة وعي عالمي متزايد بأن أمن الطاقة والاستقرار الاقتصادي وخفض الانبعاثات لا يمكن أن يُنظر إليها كأهداف متعارضة، بل كأعمدة متكاملة.
في قلب هذا التحول، ظل صوتٌ واحد ثابتًا رغم كل الضغوط، وهو صوت صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سلمان، وزير الطاقة في المملكة العربية السعودية. ففي شهر يونيو عام 2021، وصف سموه خارطة الطريق التي طرحتها وكالة الطاقة الدولية لتحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050 بأنها “سيناريو عالم الأحلام” (La La Land)، في إشارة إلى ما اعتبره آنذاك طرحًا غير واقعي يفتقر إلى أسس اقتصادية وتقنية متماسكة. وقد قوبل هذا التصريح في حينه بالرفض، لكنه يُنظر إليه اليوم على أنه بُعد نظر افتقر إليه كثير من صناع القرار آنذاك.
لقد حذر الأمير عبدالعزيز بن سلمان، مبكرًا، من أن السياسات الموجهة ضد الاستثمار في الوقود الأحفوري ستقود إلى فجوة في الإمدادات لا يمكن للطاقة المتجددة سدها في المدى المنظور. وهذا هو بالضبط ما نراه اليوم: تصاعد في المخاطر المرتبطة باحتمالات الوقوع في فقر طاقي حقيقي يهدد الدول النامية وحتى بعض الاقتصادات الكبرى.
خارطة وكالة الطاقة الدولية الغير واقعية، والتي روجت لسيناريوهات مفرطة في التفاؤل حول تسريع التحول الأخضر، أثرت بشكل كبير على السياسات الحكومية وقرارات الاستثمار، وأدت إلى تقليص كبير في تمويل مشاريع النفط والغاز حول العالم. النتيجة كانت اختلالًا كبيرًا بين الطموح والواقع، حيث لم يتمكن العالم من تعويض التراجع في الطاقة التقليدية بتوسع كافٍ في مصادر الطاقة المتجددة.
وفي المقابل، يشهد العالم ارتفاعًا في الطلب على الفحم، وهو المصدر الأكبر لانبعاثات الكربون مسجلًا أعلى المستويات في التاريخ، وسط عودة العديد من الاقتصادات إلى استخدامه لتأمين احتياجاتها من الكهرباء والتدفئة في ظل ضعف قدرة البدائل الخضراء.
هذا التناقض يسلط الضوء على الخلل العميق في سردية التحول الطاقي، ويؤكد أن تجاهل دور الطاقة التقليدية لم يؤدِّ إلى استغناء عنها، بل إلى عودة غير مدروسة لأكثر مصادرها ضررًا.
ولم تكن ملاحظات سموه في عام 2021 عابرة، بل واصل تأكيد موقفه في الندوة الثامنة لأوبك عام 2023، ثم أعاد تأكيده بلهجة أكثر وضوحًا في منتدى قطر الاقتصادي في شهر مايو عام 2024 حين قال:
“هناك منظمة تُدعى وكالة الطاقة الدولية؛ واعتقد أنها أثبتت أنه يلزم موهبة خاصة لتكون مخطئًا بشكل دائم”.
إن ما يميز رؤية سمو الأمير عبدالعزيز بن سلمان أنها لم تكن مجرد نقد، بل كانت مصحوبة بإطار بديل ومتكامل، يتمثل في الاقتصاد الدائري للكربون، الذي يقوم على الحياد التكنولوجي، وإدارة الانبعاثات، وتقديم حلول شاملة تشمل جميع مصادر الطاقة. هذا الإطار الذي كان يُستبعد في السابق بدأ الآن يلقى قبولًا واسعًا، حتى من بعض الجهات التي كانت تتبنى الرؤى الأكثر أيديولوجية.
لقد أظهرت الندوة التاسعة لأوبك أن العالم بدأ يتخلى عن السرديات المثالية غير الواقعية، متجهًا نحو الواقعية التي لطالما دعت إليها المملكة العربيةالسعودية. لم يكن ذلك تحولًا نظريًا فحسب، بل كان بمثابة تصحيح لمسار السياسات العالمية، وقد جاء هذا التصحيح بفضل قيادة سمو الأمير عبدالعزيز بن سلمان، الذي أثبت أن الجرأة على قول الحقيقة، في وقت يسود فيه التهويل والتضليل باستخدام أيديولوجيات سياسية، هو جوهر القيادة الحقيقية.
سيسجل التاريخ أن الأمير عبدالعزيز بن سلمان كان على صواب، في وقتٍ كان فيه صناع القرار واثقين من الخطأ ومنقادين خلف سرديات مضلّلة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال