الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في حياة كل إنسان لحظات مفصلية، يتوقّف فيها كل شيء، ثم يُعاد تشكيله. لحظات يصنع فيها قراره، أو يعيد حساباته، أو يختار طريقاً مختلفاً عمّا اعتاده. وفي تلك اللحظات، لا يكون المرء وحده. دائماً هناك من يحيط به: أهل، أصدقاء، زملاء. وهنا تظهر قيمة الإيجابيين. أولئك الذين لا يكتفون بالتعاطف، بل يدفعونك لأن ترى النور وسط العتمة، ويثبتون أن الكلمة الطيبة والفعل الداعم يمكن أن يكونا نقطة تحوّل.
الإيجابية ليست مزاجاً عابراً، ولا عدوى تنتقل تلقائياً. هي اختيار. واختيارك لمن تُحيط نفسك بهم، لا يقلّ أهمية عن اختيارك لطموحاتك وأهدافك. فبعض الناس يزيد من قيمتك دون أن يقصد، وآخرون ينقصونك وأنت تظنهم سندًا.
في العائلة، تتجلّى الإيجابية في الحضور الصادق، في من يرى فيك امتداداً لا مقارنة، وفي من يحتضن ضعفك لا ليذكّرك به، بل ليقوّيه. الإيجابي من أهلك هو من يُسندك لا من يلومك، من يُبادر بالحل لا بالتذكير بالمشكلة. ليس بالضرورة أن يكون الأقرب في الدم هو الأقرب في الأثر، فبعض القلوب تربّت على الرفع، وأخرى على العتب. فلا تغترّ بالعناوين، بل قيّم الأثر، وقرّب من يضيف، وابتعد عمّن يثقل عليك باسم القُرب.
وفي الصداقة، الإيجابي هو من يعينك على نفسك، لا من يجمّلك في عينيك. من يصارحك دون أن يُحرجك، ويؤمن بك حتى في لحظاتك الرمادية. الصديق الحقيقي لا يغار من إنجازك، ولا يُهمّش منجزك. بل يحتفل معك لأنك أنت، لا لأنه يشاركك المجد. ولهذا قيل:
“عنِ المرءِ لا تسألْ وسَلْ عن قرينهِ
فكلُّ قرينٍ بالمقارنِ يقتدي”.
فالناس يعرفونك بمرآة من ترافق، ويقيسونك على أثر من تجالس. والصاحب الإيجابي ليس زينة اجتماعية، بل محرّك داخلي، يوقظ فيك الدافع حين يفتر، ويذكّرك بذاتك حين تضيّعها. الإيجابية لا تعني التباهي أو المجاملة، بل تعني الإسهام، والمشاركة، وحب النجاح للغير كما لو كان نجاحًا شخصيًا. وهي تظهر في تفاصيل كثيرة: في الأسرة حين يحتضن الأخ طموح أخيه، أو حين ترفع الأم من عزيمة ابنها، أو حين يتحول المجلس العائلي إلى مساحة دعم، لا محكمة تفتيش.
أما في العمل، فالإيجابية ليست شعارات تُقال في الاجتماعات، بل سلوك يومي يُبنى بالتعاون والثقة. الزميل الإيجابي هو من لا يُلقي الحمل على غيره، ولا يُحبط الفريق كلما برزت فكرة. هو من يرى في نجاح الآخرين جزءاً من نجاحه، لا تهديداً لمكانته. هو من يقترح، ويشارك، ويساند، ويعرف أن الصعود الجماعي لا يُقصي أحداً. أما المعارض الدائم، المتمسك بالمستحيل، المتشكّك في كل جديد، فهو عثرة متحركة. لا يرضى إلا أن يبقى كل شيء كما هو، لا لأنه الأصلح، بل لأنه الأريح له.
الإيجابية في العمل تعني أن تبني قبل أن تنتقد، وأن تُكمل ما بدأه غيرك بدلاً من هدمه لتبدأ من جديد. تعني أن تؤمن بأن كل جهد، مهما بدا بسيطاً، يمكن أن يُثمر حين يتلاقى مع نوايا صادقة وأيدٍ متعاونة.
وهنا، تظهر قيمة العزم. فالإيجابي لا يكتفي برؤية الحل بل يسعى إليه، وإن تردّد، ضاع منه وضاع منه من حوله. وكما قيل:
“إذا كنتَ ذا رأيٍ فكنْ ذا عزيمةٍ
فإنّ فسادَ الرأي أن يتردّدا”.
فما فائدة الرأي الجيد إن لم يُترجم إلى فعل؟ وما قيمة الحماس إن لم يُدعّم بخطوة؟ لذلك، لا يكفي أن تقول “أنا معك”، بل افعل ما يُثبت ذلك. لا تمدح الفكرة ثم تنسحب حين يحين وقت الجهد.
الحقيقة أن الإيجابية ليست مجرد حالة نفسية، بل طريقة تفكير، وأسلوب حياة. تبدأ من داخلك، لكنها تحتاج إلى بيئة تنعشها، لا تخنقها. تحتاج إلى من يشجعك على القراءة لا التهكم منها، من يدفعك للتطور لا التساؤل عنه، من يراك قادراً لا متهوراً.
اختر من حولك كما تختار وجهتك. فكما أن الطريق الجيد لا يُسلك إلا بمركبة صالحة، فإن الطموح لا يُبلَغ إلا بصحبة صالحة. لا تتعلّق بمن يُطفئك كلما اشتعلت، أو يُربكك كلما اتضحت رؤيتك. بعض الناس لا يُظهر عداءه بصراحة، لكنه يُشكك، ويُماطل، ويتثاقل، حتى تُطفأ فيك الرغبة.
تمسّك بمن يُضيف إليك، لا بمن يستهلكك. تمسّك بمن يُذكّرك بنسختك الأفضل، لا بمن يُشعرك أنك مُطالب بالاعتذار عن طموحك. فالنجاح لا يصنعه الفرد وحده، بل من يحيط به، ومن يصدق به، ومن يُشاركه الطريق.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال