الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في ظل التحديات الصحية التي شهدتها المنطقة مؤخراً والحاجة الي الادوية والحلول الصحية المبتكرة ومع شح الموارد المحلية والحاجة الماسة الي الاعتماد الذاتي على الإنتاج المحلي في التقنية الحيوية. تبرز التجربة الصينية كمثال حي يمكن الاستفادة منه والحذو حذوة. فقد نجحت الصين خلال الأربع عقود الماضية في الانتقال من تقليد المنتجات لتكون قوه علمية للتطوير والابتكار مما يشكل مصدر الهام لكثير من الدول النامية. فمن أكثر التجارب الاقتصادية نجاحا في العصر الحديث هي التجربة الصينية فقد كانت الصين دولة فقيرة يعتمد اقتصادها على الزراعة تحت وطأت النظام الاشتراكي بدأت نقطت التحول الي ثاني اكبر اقتصاد بالعالم من بعد عام 1978 وفي خلال فتره قصيرة. بدا التحول حين أطلق نائب رئيس الوزراء ان ذاك دينق شياو سياسية الإصلاح والانفتاح.
وبدات الثورة الاقتصادية الصينية من عام 1980 الي عام 2000 (صورة 1) ب المرحلة الأولى: التقليد والتعلم
حيث بدأت النهضة الصناعية في الصين “بالهندسة العكسية” وهي منهجية تشريح المنتج وإعادة بناءة وذلك لفهم مكوناته الأساسية ودراسة التقنيات المستخدمة فيه و تحليل المواد المستخدمة وفهم الجزيئات وماهيتها ودورها في المنتج او التقنية ومن ثم البدا بتصنيع منتجات طبق الأصل للمنتجات العالمية من الدول الغربية ونقل التقنية دون الحاجه للاستثمار في البحث والتطوير وساهمت البنية التحتية بتسريع ذلك وذلك لانخفاض سعر اليد العاملة في الصين فقد سعت بعض الشركات لنقل مصانعها هناك عدا عن دعم الحكومة الصينة هذه المرحلة من خلال توفير التسهيلات والحوافز للتصدير للمصانع والمؤسسات التي تساهم بتوطين المعرفة وخلق أسواق اقتصادية جديده. فمن الهندسة العكسية وتعلم اساسيات صناعة بعض المنتجات والاستفادة من بيعها بأسعار اقل من الأصلية رفعت الصين اقتصادها الوطني وخلقت سوق جديد منافس للمنتج الأصلي بأسعار اقل. وكان للتقنية الحيوية نصيب الأسد من خلال إعادة تصنيع الادوية المعقدة مثل البروتينات مستحضرات التجميل والاجسام المضادة. فعبر تفكيك النماذج المستوردة من شركات الجينوم العالمية تفوقت الصين بإنتاج وتطوير تقنيات مخبرية لتسلسل الحمض النووي والتي كانت حكرا على بعض الشركات العالمية ونتيجة لذلك ظهرت شركات صينية كمنافسين عالميين في انتاج وتطوير الحلول التقنية المتقدمة مثل.
BGI Genomics وWuxi Biologics
صورة 1:
صورة 1: نقاط التحول الزمني في التجربة الصينية من التقليد وثم نقل المعرفة الي الابتكار في التقنية الحيوية.
فمن 2010 الي اليوم بدأت المرحلة الثانية: التحول نحو الابتكار
أدركت الحكومة الصينية انه مع مرور الوقت لن يضمن التقليد الاستدامة في النمو الاقتصادي خصوصا مع تزايد المنافسة العالمية. وبدأت الصين تحول استراتيجيتها الاقتصادية من “صنع في الصين” الي ” ابتكر في الصين” بعد ان تم فهم المنتجات وخلق اقتصاد جديد وفهم السوق العالمي بدأت مرحلة التطوير والابتكار وأصبحت الصين ليست فقط مصنع العالم، بل المطور والمبتكر لكثير من الصناعات والحلول. وكان ذلك من خلال الاستثمار الهائل في البحث والتطوير حيث تجاوزت نسبة الانفاق 2.4% من اجمالي الناتج المحلي على البحث والتطوير. كما ركزت على بناء راس المال البشري حيث استثمرت في ابنائها بالتعليم والتدريب وارسالهم في رحلات علمية وبعثات علمية نحو العالم في مجالات الهندسة والعلوم ليكون لديها أصحاب اختصاص في هذه المجالات والذين ساهموا بنقل المعرفة وقيادة التغير داخل المؤسسات الحكومية والشركات الصينية. لم تكتف بتمكين المختصين من مجالاتهم ساهمت في انشاء صناديق تمويل وحوافز للشركات العاملة في مجال التقنية الحيوية والذكاء الاصطناعي. فرضت الصين شروط على الشركات الأجنبية لأنشاء مصانعها داخل الصين بحيث تضمن نقل التكنلوجيا وتدريب الكوادر المحلية. ومن النتائج الملموسة لهذه الاستراتيجية أصبحت الصين الأولى عالميا في حصد وتسجيل برات اختراع كما احتلت مراتب متقدمة في مؤشر الابتكار العالمي ونجحت في تطوير لقاحات وادوية في وقت قياسي. خصوصا في الفترة التي عانا العالم خلالها من كورونا والذي بدا في ووهان في الصين مما أسهم في التسريع من التركيز على التقنية الحيوية.
خلاصة التجربة الصينية انه لا يمكن بناء اقتصاد مبتكر وريادي دون المرور بمرحلة التقليد هي مرحلة ليست سلبية كما يظن البعض، ولكنها مدخل علمي لبناء القدرات والبنية التحتية للتطوير والتعلم سواء على مستوى المنتج حيث تتسنى دراسته فهم محتواه ومكوناته وإعادة تصنيع نموذج اولي مماثل للأصل قابل للتطوير بأيدي محلية مختصة. فالهندسة العكسية هي المفتاح ولكن الاستثمار في الكفاءات والتعلم وتوفير التسهيلات هي الأساس الحقيقي لهذا النجاح. فتوطين التقنية لم يعد خيار او امر تكميلي لاقتصاديات الدول فلدينا من العقول البشرية الكثير ممن هو قادر على الاستفادة من التجربة الصينية من خلال بناء شراكات مع جهات خارجية تشترط فيها توطين التقنية ونقل المعرفة ودعم الشركات المحلية واعتبار البحث والتطوير جزء أساسي في ممارساتنا المهنية.
وطنا العربي من الخليج الي المحيط يزخر بالموارد والكفاءات التي يمكن ان تقود مستقبل واقتصاد العالم ان وجدت البيئة المحفزة ولعلي اختم بتوصية للجهات البحثية المانحة ان تخصص منح او مبادرات للهندسة العكسية لإعطاء الفرصة للمهتمين لأخذ ادوية وإعادة تفكيك تركيبتها والعمل عليها لخلق اكتفاء ذاتي ومن ثم تطويرها وتصنيعها كمرحلة متقدمة خصوصا في المجلات التي لا يوجد فيها بنية تحتية محليه علها تكون خطوة ليس فقط للمنافسة في أسواق التقنية الحيوية ولكن للتطوير والابتكار.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال