الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أعلنت الإدارة الأمريكية مؤخراً عن التزامها بإنهاء تشريعات تنظيم سوق الأصول الرقمية والعملات المشفرة بحلول سبتمبر 2025. وهو اعلان يمثل منعطفاً مهماً في مستقبل الاقتصاد الرقمي ليس فقط داخل الولايات المتحدة بل على مستوى الأسواق العالمية. هذا التوجه الأمريكي جاء بعد سنوات من التأجيل والنقاشات الممتدة منذ عام 2021 بسبب الخلافات السياسية وتضارب الصلاحيات بين الجهات الرقابية مثل هيئة الأوراق المالية والبورصات وهيئة تداول السلع الآجلة. وهو ما تسبب في فجوة تنظيمية أثرت بشكل واضح على استقرار السوق الأمريكية وجعلتها متأخرة مقارنة بالأسواق الأوروبية التي سبقتها بإقرار قانون MiCA الذي دخل حيز التنفيذ بداية 2025.
تأخر الولايات المتحدة في تنظيم سوق العملات الرقمية انعكس سلباً على تنافسية السوق الأمريكية. حيث بدأت شركات التكنولوجيا المالية والمستثمرون يتجهون نحو بيئات أكثر استقراراً ووضوحاً مثل الاتحاد الأوروبي وسنغافورة وهو ما دفع صناع القرار الأمريكي إلى تكثيف الجهود لإقرار هيكل قانوني شامل ينظم عمليات إصدار وتداول الأصول الرقمية ويضع إطاراً واضحاً للجهات التنظيمية ويعيد الثقة للأسواق.
الوضع الحالي يفرض ضغوطاً إضافية على الاقتصادات الناشئة وفي مقدمتها السعودية التي بدأت خلال الأعوام الأخيرة تتفاعل مع ملف الأصول الرقمية لكن بشكل حذر ومنظم. حيث لا تزال العملات المشفرة محظورة من التداول الرسمي داخل السوق السعودي. في حين تبنّ البنك المركزي السعودي مبادرات تجريبية بالشراكة مع شركات دولية لدراسة التطبيقات التقنية للأصول الرقمية في القطاع المالي وأطلقت برنامج العملة الرقمية للبنك المركزي بالتعاون مع مصرف الإمارات المركزي في إطار مشروع الجسر.
رؤية السعودية 2030 التي تضع تنويع الاقتصاد والتحول الرقمي ضمن أولوياتها تقتضي أن يكون للمملكة موقف واضح تجاه مستقبل العملات الرقمية خاصة في ظل تأثير هذه الأصول على القطاعات المالية والتقنية والاستثمارية. فالاقتصاد السعودي يشهد نمواً متسارعاً في قطاعات الذكاء الاصطناعي والخدمات المالية والتقنية المالية التي تعتمد بشكل أساسي على الابتكار وتوظيف الأصول الرقمية كوسيلة تمويل واستثمار. وهو ما يتطلب بيئة تنظيمية مرنة وآمنة تواكب التطورات العالمية وتحمي الاقتصاد المحلي من المخاطر.
في حال إقرار الولايات المتحدة لتشريعاتها بحلول سبتمبر 2025 فإن الأسواق العالمية ستشهد موجة جديدة من إعادة التموضع الاستثماري حيث تتجه الشركات والمستثمرون نحو البيئات الأكثر تنظيماً والأكثر جذباً لرؤوس الأموال. وهو ما يمنح المملكة فرصة استراتيجية لبناء إطار تنظيمي واضح ومتقدم يستقطب الشركات العاملة في التقنية المالية ويعزز من قدرة السوق السعودي على المنافسة إقليمياً وعالمياً. خاصة في ظل التوجه السعودي نحو إنشاء مراكز مالية وتقنية متقدمة مثل مركز الملك عبدالله المالي في الرياض ومشاريع نيوم التي تركز على الاقتصاد الرقمي والابتكار.
السعودية تمتلك مقومات قوية لبناء سوق أصول رقمية منظم يدعم الاقتصاد الوطني إذا تم الاستفادة من التجارب الدولية وتطوير سياسات تضمن الاستقرار والابتكار مع الحفاظ على مبادئ الشريعة والضوابط القانونية. وهو ما يتطلب تكامل جهود البنك المركزي وهيئة السوق المالية والوزارات ذات العلاقة لوضع إطار تشريعي وتنظيمي متكامل يواكب التحولات العالمية ويعزز من جاهزية الاقتصاد السعودي للتعامل مع مستقبل الأصول الرقمية بشكل آمن وفعّال.
أخيراً في ظل التحولات المتسارعة عالمياً يصبح من الضروري ألا يكتفي المُشّرعين بمتابعة المشهد الدولي و أن تبادر لجان العمل برسم المنهجية الداخلية للاقتصاد الرقمي بما تتماشى مع التوجهات الاقتصادية الوطنية وتعزز من تنافسية السوق السعودي وتضمن أن تكون المملكة جزءاً فاعلاً من منظومة الاقتصاد الرقمي العالمي الذي سيعيد تشكيل قواعد الاستثمار والتمويل خلال العقد القادم.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال