الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في صباح مشمس من يوليو 2025، تفتح أبواب صندوق الاستثمارات العامة السعودي كخزنة مليئة بأسرار اقتصادية، حيث ترتفع أصوله إلى 4.32 تريليون ريال كأنها نغمة جديدة في سمفونية التنمية، تضرب أوتارها بإيرادات بلغت 413 مليار ريال، لكنها تخفي وراء هذا الإيقاع تساؤلات تتسلل كرياح الصحراء: هل هذا النمو، الذي يشبه زحف قافلة عبر الصحراء نحو رؤية 2030، سيصل إلى واحة حقيقية للمواطن، أم أنها مجرد سراب يتلاشى مع التحديات العالمية؟ هذه الرحلة الملحمية تكشف لنا عن الحقيقة خلف الأرقام التي تكتب تاريخ المملكة بخطوط جريئة.
حيث نعيد قراءة هذه البيانات بعين تحليلية ترصد اللحظة الحالية. في وقت يشهد فيه الاقتصاد العالمي تقلبات بسبب ارتفاع أسعار الفائدة والتضخم، تبرز أرقام صندوق الاستثمارات العامة السعودي كمؤشر حيوي للتحليل، حيث أظهرت القوائم المالية الموحدة لعام 2024، المنشورة في بورصة لندن، نموًا في الأصول بنسبة 18% لتصل إلى 4.32 تريليون ريال، أي حوالي 1.15 تريليون دولار، مما يعكس توسعًا استثماريًا كبيرًا، لكن هذا الارتفاع جاء مدعومًا بزيادة في القروض إلى 570 مليار ريال، بينما بقيت نسبة المديونية مستقرة عند 13%، وهو ما يشير إلى توازن مالي رغم الاعتماد على تمويلات دولية مثل صكوك بـ2 مليار دولار وإصدارات بالجنيه الإسترليني بـ650 مليون جنيه، مع دعم سيولة نقدية قوية عند 316 مليار ريال، مما يتيح مرونة في مواجهة التحديات.
من منظور التحليل، تعكس هذه الأرقام استراتيجية طموحة، لكنها تثير سؤالًا: هل الاعتماد المتزايد على الدين سيظل مستدامًا إذا تراجعت الإيرادات العالمية؟ على صعيد الإيرادات، بلغت 413 مليار ريال في 2024، بزيادة 25% عن 331 مليار ريال في 2023، مدفوعة بأداء شركات مثل “سافي”، “معادن”، “STC”، “أفيليس”، وبنك الخليج الدولي، بالإضافة إلى توزيعات أرامكو والمشاريع الكبرى كـ”البحر الأحمر”، مما يدل على تنوع مصادر الدخل، لكن صافي الأرباح توقف عند 26 مليار ريال، متأثرًا بخسائر قيمة المشاريع أقل من 2% من الأصول وارتفاع التكاليف العالمية، وهنا يمكن قراءة الأرقام كدليل على استقرار نسبي رغم الضغوط، لكنها تطرح تساؤلاً: هل يمكن تعزيز الأرباح من خلال تحسين الكفاءة التشغيلية أو إعادة تقييم الاستثمارات غير المربحة؟
إن الربح المنخفض نسبيًا البالغ 26 مليار ريال، رغم النمو اللافت في الإيرادات التي بلغت 413 مليار ريال في 2024 بزيادة 25% عن 331 مليار ريال في 2023، يشير إلى وجود ضغوط جوهرية على هامش الأرباح، مما يثير تساؤلات عميقة حول كفاءة الإدارة المالية لصندوق الاستثمارات العامة وسط التحديات الاقتصادية العالمية مثل ارتفاع أسعار الفائدة والتضخم، بالإضافة إلى خسائر قيمة المشاريع التي، رغم أنها لم تتجاوز 2% من إجمالي الأصول البالغة 4.32 تريليون ريال، فإنها تكشف عن نقاط ضعف محتملة في التخطيط التشغيلي أو تقديرات التكاليف الأولية.
هذا التناقض بين النمو الإيرادي الملحوظ والربح المتواضع يدفعنا إلى التساؤل: هل يمكن تحسين هامش الربح من خلال تقليل التكاليف التشغيلية أو إعادة تقييم المشاريع ذات الخسائر، وكيف يمكن للصندوق استغلال موارده الهائلة لتحقيق توازن أفضل بين الطموح الاستثماري والإنتاجية المالية؟، يمكننا استعراض أبرز المشاريع التابعة للصندوق التي يمكن أن تشكل نقطة انطلاق لتقليل التكاليف التشغيلية، مع الأخذ في الاعتبار طبيعتها ومرحلتها التنموية. أولاً، مشروع “البحر الأحمر”، الذي شهد افتتاح فنادق فاخرة مثل “سانت ريجيس” و”ريتز كارلتون ريزيرف”، يمثل استثمارًا ضخمًا في السياحة، لكنه قد يعاني من تكاليف تشغيلية مرتفعة بسبب البنية التحتية الضخمة والاعتماد على الطاقة والموارد اللوجستية. لتقليل هذه التكاليف، يمكن التركيز على اعتماد الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية التي تكثر في المنطقة، مما يقلل فواتير الطاقة ويحسن الهوامش، بالإضافة إلى تحسين سلاسل التوريد المحلية لتجنب تكاليف الاستيراد. ثانيًا، مشروع “نيوم”، المدينة الذكية المستقبلية، يعد من أكبر الاستثمارات طويلة الأجل، لكنه قد يواجه تحديات في التكاليف التشغيلية بسبب البنية التحتية المتطورة والتكنولوجيا المتقدمة المطلوبة.
هنا، يمكن تقليل التكاليف من خلال الاستفادة من الذكاء الاصطناعي، كما في شراكة “جوجل كلاود”، لتحسين إدارة الموارد وتقليل الهدر، إلى جانب تعزيز الشراكات مع الشركات المحلية لتوفير المواد الخام بأسعار تنافسية، مما يعزز الكفاءة ويخفض الاعتماد على الواردات. ثالثًا، شركة “طيران الرياض”، التي تستعد لإطلاق عملياتها التجارية في 2025 بمستهدف 100 وجهة عالمية، قد تواجه تكاليف تشغيلية مرتفعة بسبب الأسطول والوقود والصيانة. لتقليل هذه التكاليف، يمكن استغلال الشراكات مع “GE” لتطوير طائرات أكثر كفاءة في استهلاك الوقود، إلى جانب تحسين جدولة الرحلات باستخدام نماذج تنبؤية مدعومة بالذكاء الاصطناعي لتقليل الرحلات الفارغة، مما يعزز الربحية. رابعًا، شركة “آلات” للذكاء الاصطناعي، التي استثمرت 401 مليون ريال في تصنيع الروبوتات بالتعاون مع “سوفت بنك”، يمكن أن تكون مرشحة لتحسين الكفاءة إذا تم التركيز على تطوير منتجات محلية تلبي احتياجات السوق السعودي بدلاً من الاعتماد على التكنولوجيا المستوردة، مما يقلل تكاليف الإنتاج ويزيد من العوائد المحلية، خاصة مع الطلب المتزايد على الروبوتات في الصناعة.
أخيرًا، مشروع “أرويا كروز”، الذي بدأ رحلاته البحرية، يمكن أن يحقق توفيرًا في التكاليف من خلال تحسين كفاءة استهلاك الوقود عبر تكنولوجيا الملاحة الذكية، بالإضافة إلى استهداف فئات سياحية متنوعة بأسعار تنافسية لزيادة الإشغال، مما يعزز الإيرادات مع تقليل التكاليف الثابتة. من خلال إعادة تقييم هذه المشاريع، يمكن للصندوق تحديد الاستثمارات ذات الخسائر، مثل تلك التي شهدت تغيرات في الخطط التشغيلية، وإجراء تحليل معمق للتكاليف مقابل العوائد، مع اقتراح حلول مثل إعادة هيكلة المشاريع غير المربحة أو إعادة توجيه الموارد نحو القطاعات ذات الأداء الأعلى.
كما يمكن تعزيز الشراكات المحلية والدولية لتطوير حلول تكنولوجية تقلل التكاليف، مثل استخدام الطاقة المتجددة ونظم الإدارة الذكية، مما قد يرفع هامش الربح ويضمن استدامة النمو في ظل الظروف الاقتصادية المتقلبة، مما يدفعنا للتساؤل: هل يمكن لهذه الخطوات أن تحول الصندوق من مجرد عقلية استثمارية طموحة إلى آلة مربحة بكفاءة عالية تتماشى مع رؤية 2030؟
من ناحية القراءة المالية، تمثل الأصول 4.32 تريليون ريال مجموع الاستثمارات والنقدية والأصول طويلة الأجل، بينما تعكس الإيرادات 413 مليار ريال العوائد من الشركات التابعة والمشاريع، وصافي الأرباح 26 مليار ريال الفرق بعد خصم التكاليف، بينما السيولة 316 مليار ريال والدين 570 مليار ريال يظهران قدرة الصندوق على الاستمرارية، مع نسبة مديونية 13% كمؤشر على الانضباط المالي. التحليل يبين أن النمو قوي، لكن التحدي يكمن في تحويل الإيرادات إلى أرباح أعلى، خاصة مع تأثير خسائر القيمة، مما يدفعنا للتساؤل: هل الاستثمارات طويلة الأجل، ستحقق عوائد كافية لتغطية التكاليف المرتفعة؟ في قطاعات السياحة والذكاء الاصطناعي، يظهر الصندوق ديناميكية ملحوظة، امام هذه المشروعات المتنوعة والضخمة يطرح سؤالا مهما، متى ستنعكس هذه المشاريع على الاقتصاد المحلي بخلق وظائف مستدامة؟ من الضروري تسريع تحقيق العوائد، وتعزيز الكفاءة، ودراسة مخاطر الاستثمارات لضمان التوازن.
في النهاية، تظهر أرقام الصندوق 4.32 تريليون ريال أصول، 413 مليار ريال إيرادات قوة اقتصادية تتماشى مع رؤية 2030، لكن التحدي يكمن في تحويلها إلى أرباح مستدامة وأثر ملموس، وهو ما يتطلب استراتيجيات تجمع بين الجرأة الاستثمارية والإدارة الدقيقة، مع حلول مثل مراقبة المخاطر ودعم الاقتصاد المحلي لضمان استمرارية النجاح وسط الظروف المتقلبة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال